رحل أبي مبكراً ، كنتُ في الحادية
عشرة من عمري .. فلم أنتحب و لم أبكي ،
تجمدت الدموع في عيني فلم تعرف طريقها على وجنتي جمدتها شطآن من صمود و كبرياء ..
ودعتُ أبي و طفولتي بصرخات مكبوتة و تمتمات ترفض أن أبوح بها ..
قضيتُ عمري دون أب ، و كوني الأكبر سناً بين أخوتي كنتُ أباً لهم جميعاً ،
مارستُ طقوس الأبوة بكل تفاصيلها و كنتُ سعيداُ غير
نادم على ذلك ..
لا أذكر في طفولتي المبكرة متى قلتُ فيها كلمة بابا ، فلقد مضى على رحيل أبي ما
يناهز الثلاثون عاماً ..
كل هذا الوقت مارستُ دور الأب لدرجة أعتقدتُ معها أحياناً أنني لستُ بحاجة إليه مع
تذكري الدائم له ..
في حياتي بعضاً من نجاحات و كثيراً من أخطاء لكني لم أشعر معها أنني كنتُ بحاجة لأب
يقف الى جانبي ،
مع يقيني أنه يراقبني من بعيد و فخوراً بي و ليس غاضباً مني لأنني لستُ بحاجته ..
أختفت فجأة صورة الأب في مخيلتي لأعتقادي ربما أن هذا هو قدري و يجب أن أعيشه
برجولة
و أن أي ألتفاتة مني الى الوراء لن تغير من القضاء شيئاً و ستكون نقطة ضعف تعيق
التقدم في الحياة
و كم كنتٌ مخطئاً في أعتقادي هذا ..
حتى جاءت أحداث الوطن و بدأ الوطن ينزف ، يتمزق ، يبكي ، يئن و يصرخ ،
و فجأة و بدون مقدمات أحسستُ أنني بحاجة الى أبي ، أحسستُ أنني أريده بجانبي
لا لشيء فقط لأبكي بين ذراعيه و في أحضانه كطفل صغير ، لأعانقه عناقاً طويلاً لا
يدعني فيها
دون أن يصطحبني معه فلم أعد أطيق كل هذا الوجع أكثر ..
آه يا أبي لو تعرف ماذا فعلوا بوطني و وطنك .. فحال الوطن يا أبتي لا يسر و لا يسعد
..
باتت فيه كل أيامنا حزينة ، ماتت أحلامنا ، و أصبح كل شيء ينبض بالوجع ..
أقلامنا لا تزف إلا أوجاعاً ، أسطرنا كحبال مشنقة تقتل الحروف إعداماً .. حتى
ترانيمنا باتت في سراب ..
و يا أبـتـي رحلت عني مرة فيما مضى ، فلا ترحل عني اليوم بشكل وطن ، فأنا لا أقوى
على رحيلكما معاً ..
كم أفتقدك هذه الأيام يا أبي .. فبعد كل هذه السنين عرفتُ بأنني أستعضتُ عنك بالوطن
..
و أنا ببساطة لن أطيق أن أراك .. تموت مرتين ..!
مااجمل الصورة التي تناولت فيها الوطن الحقيقة اننا نعيش مأساة الان في سوريا لا نطيق تحملها كلنا. نحن بانتظار المزيد من قصصك الرائعة يا دكتور غزوان.
شهدنا موت والدنا مرتين ..ونموت بعده كل يوم ميتتين ... وفي كل يوم عندما تسنح لنا فرصة للنوم نعانق ذكرياتنا مع أبوينا ونترك دمعة على الوسادة وننام .. مقال معبر وواقعي مختصر ,نبض بحس مرهف
شكرا للكاتب على هذه الكلمات, انا ايضا فقدت والدي منذ عدة سنوات و في الاونة الاخيرة كثيرا ما استعيد ذكراه سائلا نفسي ماذا كان هو سيفعل لو كان حيا في هذه الظروف ؟سؤال قد لا يكون مهم بالنسبة لي كمغترب , لكنه الشغل الشاغل لاغلب السوريين في الداخل. الرحمة على جميع موتانا.