ها نحن نقترب من إنهاء العام الثاني من أزمتنا التي بدأت بحراك هدفه إنشاء دولة مدنية ديمقراطية تحكمها القوانين التي يضعها منتخبون من الشعب و يجري فيها تداول للسلطة تقرره صناديق الاقتراع , لنغرق في صراع مسلح يحمل الخراب و الدمار مخلفاً انقسامات بين أبناء الشعب الواحد لو تنبأ بها احدهم قبل الأحداث لما ترددنا بالاستهزاء منه .
قد نختلف حول الإجابة على السؤال : من أوصلنا إلى هنا ؟ أو من يتحمل المسؤولية الأكبر في دخولنا إلى هذا النفق ؟ و لكن يمكن أن نتفق على ثلاثة عوامل كانت حاسمة في وصولنا إلى ما نشهده الآن :
العامل الأول:
هو بلا شك إدارة الأزمة التي , و إن أقرت في البداية بشرعية المطالب الديمقراطية , و لكنها بدلاً من أن تضع تصوراً متكاملاً عن الإصلاح المطلوب و تتبنى تطبيقه , و كانت الأغلبية مستعدة للسير معها , اعتبرت أن أي خطوة إصلاحية قامت أو ستقوم بها هي تنازل تقدمه مضطرة و عليها أن تلتف عليه بطريقة أو باخرى , و الأمثلة على هذا عديدة , هذا التردد في اتخاذ خطوات حاسمة على طريق التغيير الديمقراطي و الذي يدل على قصور في إدراك ضرورة التغيير و حاجة المجتمع الموضوعية له , و خوف , غير مبرر , لما يمكن أن يؤدي إليه , هو بالذات ما كان له تداعيات كارثيّة من ناحية فقدان الثقة بإمكانية حدوث التغيير المطلوب عن طريق تراكم الخطوات الإصلاحية وصولا إلى الحالة الديمقراطية المنشودة , و فتح الباب على مصراعيه أمام اللاعبين الخارجيين , و ما أكثرهم , لتجيير الحراك الوجهة التي يريدون , مبتعدين به عن أهدافه الديمقراطية التي قام عليها .
العامل الثاني :
هي المعارضات , و قبل الخوض في أدائها , لابد من أن نعترف بان غياب حياة سياسية حقيقية لفترات طويلة كان السبب الرئيسي لهزالة أدائها و عجزها عن الارتقاء لمستوى الحراك العفوي الذي كانت أول مطالبه سيادة القانون , فبدلا من أن تسعى هذه المعارضات إلى استيعاب الحراك و بلورة مطالبه في برنامج مفصل واضح يرسم ملامح سوريا التي نريد , غرق القسم الأكبر منها في لهاث نحو استجداء التدخل الأجنبي متناسياً الذكرى الحاضرة لما جرّه التدخل الأمريكي في العراق من ويلات لم تنته بعد , و بدلا من السعي نحو تطويق الشعارات الطائفية , وجد قسم هام من المعارضات في إثارة المشاعر الطائفية وسيلة لتجييش الرأي العام و خلق حالة ثورية لم تكن ناضجة في كثير من المناطق و ضمن العديد من الفئات الاجتماعية , و ربما كان إثارة هذه المشاعر البغيضة بالذات وراء القسوة و العنف اللامعقول الذي عشناه و نعيشه الآن عندما حوّل الصراع إلى _" حرب مقدسة _" تجري بين_" كفار_" و بين _" كلمة الحق _" , في بيئة سياسية متخلفة يسيطر فيها رجال الدين على العقول دون منافس .
و فشلت مرارا كل محاولات المعارضة الجادة في الاتفاق على ميثاق يرسم ملامح سوريا الجديدة و أظن أن سبب الفشل يعود إلى خوف البعض من فقدان الزخم الطائفي الذي أوجده على الأرض , و في بلد تشكل الأقليات الطائفية و القومية أكثر من 35% من السكان كان لا بد لهذه الممارسات أن تؤدي إلى ابتعاد متزايد لفئات واسعة , كانت مستعدة في البداية لتأييد الحراك المدني الديمقراطي , عن تأييده خوفاً من المجهول الذي يحمله .
و كان قرار تسليح الحراك الضربة القاصمة للحراك السلمي , فبدلا من السعي لإيجاد بيئة مناسبة لاستمرار الحراك السلمي و إقناع المترددين بالانخراط فيه ابعد المسلحون الجميع و بدأ حوار البنادق يسيطر على الساحة , و أهم ما في الأمر أن السلاح ابعد شعارات الحراك الأولى إلى الزاوية المنسية مستبدلاً إياها بشعارات قائمة على إثارة مشاعر الانتقام و الكراهية . فالمسلح وجد في الفكر الطائفي الايديولوجيا المناسبة للتعبئة و خوض معركة شرسة يتضح أكثر فأكثر انه لا يوجد فيها لا غالب و لا مغلوب .
إن المتتبع لأداء معظم معارضاتنا لابد من أن يكتشف أنها دائماً ما تختار الطريق الأسهل , فبدلاً من تعبئة الحراك و حمايته و السعي لتوسيع قاعدته الشعبية , لجأت إلى طلب التدخل الخارجي و رفع شعارات طائفية و التسليح وسيلة لتحقيق التغيير .
العامل الثالث:
هو العامل الخارجي .. لن ادخل في نقاش حول صحة نظرية المؤامرة , و لكن كان واضحاً منذ البداية أن الخارج هو متابع نشيط و فاعل لما يجري في سوريا إدراكا منه لما لها من أهمية جيوسياسية كبيرة في هذه المنطقة الحساسة من العالم , لقد استغل الخارج تردد إدارة الأزمة في المضي لتنفيذ التغيير الديمقراطي المطلوب لينفذ إلى تبني الحراك و توجيهه الجهة التي يريد مقدماً له في البداية الدعم الإعلامي و من ثم الدعم المادي و السلاح , ليصبح مع الوقت العامل الحاسم في الأزمة , و أصبح دورنا كسوريين يقتصر على تنفيذ ما يطلبه اللاعبين الخارجيين , و الأهم لم يعد الحراك حراكنا و لا المطالب المعلنة و الشعارات المرفوعة هي ما نريد .و ماذا بعد ؟ هل يمكننا الآن أن نعود إلى مطالب الحراك الأولى ؟ هل يمكننا أن نخرج من دوامة العنف العبثي الذي يدمر البنية التحتية و يزرع أحقادا لانهاية لها ؟
اعتقد بقوة أننا الآن مازلنا نستطيع أن نكسر حلقة العنف المفزعة التي ندور فيها و ندخل في عملية سياسية تخرجنا من الأزمة التي نعيش , فالنظام يدعو الآن إلى حوار وطني يضم الجميع دون استثناء احد , و هو مستعد لطرح كافة القضايا على الطاولة بدءً من صياغة ميثاق وطني يضع أسس عقد اجتماعي جديد يحكم الدولة و مؤسساتها , مروراً بوضع دستور جديد , انتهاءً بالاتفاق على المرحلة الانتقالية , صحيح انه يطلب أن يكون كل هذا تحت إشرافه و لكنها بلاشك نقطة بداية يمكن أن تناقش معه بحضور قوي من المجتمع الدولي الذي أصبح الآن أكثر استعداداً للضغط باتجاه وضع نهاية لما يجري و الذي يصبح شيئاً فشيئاً خطراً يهدد الأمن الإقليمي برمته .
و المطلوب من المعارضات أن تكون على حجم المسؤولية التي تقع على عاتقها لإنقاذ الحراك الشعبي و أن تضع رؤية موحدة لسوريا الغد بعيداً عن الرؤى و المصالح الحزبية الضيقة و أن تدخل الحوار الوطني مسلحة ببرنامج واضح و مدعومة بدعم داخلي سيحدده برنامجها و دعم خارجي يسعى الآن إلى الخروج من الأزمة , و في النهاية يجب أن لا ننسى أننا نريد الكرم لا قتل الناطور .
دكتور هيثمشكرا لك على هذه المقالة لقد وضعت يدك على الجرح كما يقولون وبينت لنا بداية الطريق الى حل يضمن عدم خروج سوريا من الجغرافيا وعدم دخولها التاريخ كذكرى....نريد سوريين شرفاء ما زالت سوريا همهم الأول وليس اي اعتبارات أخرى نريد سوريين مستعدين للتنازل قليلا(حسب قاموسهم حيث انه حسب قاموسي ليس تنازلا )حتى تخرج سوريا من هذا النفق الاسود البغيض حيث لارابح فيه الا الموت لكن السؤال هل بقي احد منهم؟؟؟؟نتمنى ذلك فقط من اجل سوريا الحبيبة