وبعد اتّخاذ " قرار الحسم العسكري "ازدادت حالة القلق التي تنتاب صنّاع القرار في بلاد الغرب .
====================================================================
بشّار الأسد ، في مقابلته مع محطة التلفزيون الروسي قبل أيام ،ربط بين موقع سوريا الإستراتيجي وبين حروب الموارد الطبيعية التي تجري الآن على أرض المنطقة حيث قال :" إذا ما كانوا يريدون زرْع الفوضى في سوريا ، فسترتَـدّ عليهم " .
فشل العرب الذين تعمّدوا عسكرة الفورة للتعجيل بها، وإسقاط نظام يتحالف مع إيران .أربكوا فورتهم " هم " ولم يسقطوا النظام ولم يفكّوا الحلف ولم يعزلوا الطائفة .وفشلت الجامعة العربية لأنها سمحت بأن يكلّفوها بمهمّات لا يمكن أن تؤدّيها بحكم طاقتها المحدودة والحصار المفروض عليها وحرمانها من الصلاحيّات اللازمة لتأدية وظيفتها .وكالعادة يحمّلها معلّقون عرب مسؤولية الفشل في تنبيه مصر وإيقاظ أجهزتها الدبلوماسيّة لتساعدها .كذلك فشلت الأمم المتحدة ، ولكنّه الفشل المحسوب بدقّة من جانب الدول العظمى المهيمنة على مجلس الأمن .و الفشل الذي استغلته هذه الدول بدهاء لتعفي نفسها من مسؤولية الدم المراق ودم أكثر سيراق ويجنّبها اتخاذ قرارات لم تكن مستعدّة لها ، وفي الغالب لم تكن راغبة في اتّخاذها .
كانت اللحظة الفارقة في فورتهم " هم " :هي لحظة الانفجار الذي أودى بحياة عدد من كبار المسؤولين في الدولة .في تلك اللحظة ، قدّرت دوائر صنع قرار وأجهزة إعلام أن النصر تحقّق للفورة ،وكان تقديراً متسرعا .تصادف التوصّل إلى هذا التقدير مع ملاحظات تشير إحداها إلى مغزى :نقل المعركة إلى داخل دمشق ،وتشير أخرى إلى :اختفاء الرئيس بشار الأسد لفترات غير قصيرة ، حتى تصوّر البعض انه ربّما رحل بعائلته عن دمشق وتشير ملاحظة ثالثة إلى ما اعتبروه مرونة في الموقف الروسي .ولكن كانت الملاحظة التي حسمت الرأي الغالب هي المتعلّقة بمصرع آصف شوكت ، صهر الرئيس ، في حادث الانفجار .هذه الملاحظات مجتمعة دعمت فكرة أن لحظة الحقيقة تغلّبت وهيمنت .
ومع ذلك بقي عدد قليل لا يعتقد أن الحسم جاء " بهذا الوضوح " ،وبقي عدد أقل جدا،
أصرّ على أن حسماً من أي نوع لم يقع .النظام في رأي هؤلاء تعرض لضربة شديدة جدا ،
ولكنّها ليست قاصمة ،ودليلهم على ذلك أن الذين سقطوا قتلى أو جرحى في حادث الانفجار
لم يكونوا قادة فعليّين لقوى عسكرية ميدانية ،حتى آصف شوكت لم يكن يتحكّم في فرقة
أو مجموعة عسكريّة مؤثّرة في الحرب الدائرة على الثورة .قيل أيضا إن أغلب أعضاء هذه
اللجنة ، التي قيل انها اختصّت بإدارة الأزمة ،كانوا قادة سابقين أو ضبّاطاً محالين
على التقاعد ،ومنهم وزير الدفاع الذي جرى العرف في دمشق على أن تكون سلطاته صوريّة
.
للمرة الأولى في خمسة وأربعين عاما بدأ النظام يفترق عن الدولة .وظنوا : " مع إنّ
بعض الظن إثم " .أن أمامه أي : " النظام " خيارات لا شك درسها واستعد لها وان لم
يقع بعد اختياره على خيار محدد منها .أمامه ان يحارب في دمشق وحلب حرباً لا هوادة
فيها ،وفي الوقت نفسه تكون قد اشتعلت هنا وهناك في دول الجوار وتناثرت حروب أو
أزمات صغيرة كافية لإنهاك النظام الإقليمي بأسره وإرباك الدول العظمى وتعريض
الاستقرار العالمي للخطر .
أمامه أيضا ، وأمام دول وقوى أخرى ، أن يجبر إسرائيل على شن عمليات عسكرية ضد لبنان
ويستدرجها لضرب مواقع في سوريا نفسها ،الأمر الذي لو حدث لأوقع المزيد من الارتباك
في صفوف القوى الثورية المسلحة ، وربما أدى إلى عزل فصائل في الثورة وشل فعالياتها
في الخارج .
وأمامه، ولعله الملجأ الأخير ، أن ينسحب برجاله وعتاده ونسائه إلى مواقع جبلية
وساحلية محصنة ،بعض هذه المواقع توسعت بالفعل خلال الأسابيع الأخيرة من الحرب، وهو
مطمئن إلى أن القوات الاجنبية الوحيدة التي تستطيع هزيمته في تلك المواقع ،وهي
القوات التركية ،لن تتحرك لأن قادتها سيرفضون الاقتتال مع العلويين السوريين .
والسبب معروف .
وتم التحدث مع دبلوماسي عربي مرموق نحترم رأيه ونقدر صدق معلوماته عن خفايا السياسة
والحرب في المشرق . قال :إنه لو تحقق هذا الخيار ، وراح الأسد يحتمي بقواته في
الجبال الوسطى ومواقع محصنة ومفرغة من سكانها على الساحل، فسيكون قد تحقق لبعض
إخوتنا العرب الهدف الذي لم يتوقفوا عن التلميح إليه ، وهو :إخلاء المشرق من أي
سلطة حكم طائفية تتعاطف أو تتقارب مع إيران أو تكون هي نفسها شيعية المذهب
بمعنى آخر إخلاء المنطقة بأسرها لهيمنة طائفة السنة ،فبعد سوريا يأتي لبنان ثم
العراق لإخراج النفوذ الإيراني منه .وكما قالها الرئيس السوري " حماه الله ورعاه "
:" أنا لست دمية ، ولم يصنعني الغرب كي أذهب إلى الغرب أو إلى أي بلد آخر .أنا سوري
، من صنع سورية ، وعليّ أن أعيش وأموت في سورية " .
وأكد لسياسيين أنه " على يقين " بأنه :قادر على كسب الحرب ضد المسلحين ،وتسائل :" أين كنا وأين أصبحنا ونحن على يقين بأن الغد لنا ...سوريا تمتلك إرادة الانتصار على المؤامرة ،" نحن وإن كنا متيقنين من حتمية انتصارنا ومطمئنين لما يتحقق سياسياً وعسكرياً ، فإن ذلك لا يعني أن كل الأمور انتهت " ،وأكد أنه :" لا يزال أمامنا شغل كبير في السياسة كما في مواجهة المجموعات الإرهابية والتكفيرية . "" قوتنا لا نأخذها أو نستمدها أو نطلبها أو نستجديها من أحد ...هناك مخطئون ومفسدون إنما هؤلاء ليسوا الجميع ،بل في المقابل هناك كفاءات وشرفاء ومخلصون وهم الأساس ويشكلون الغالبية الساحقة من السوريين ،" هل يستطيع أحد أن يفسر كيف أن الجسم الدبلوماسي السوري ظل على مدى سنتين متماسكاً على صعيد الكرة الأرضية كلها برغم الإغراءات التي تعرض لها السفراء والقناصل والموظفون من مختلف الدرجات .
عرضت ملايين الدولارات عليهم ورفضوها وارتضوا بالقليل وهذا أكبر دليل على الوطنية السورية الحقيقية " .حسمهم " الفورة " لم يكن بالـ : " وضوح التام "فجاء :قرار الحسم العسكري من قبل " الجيش العربي السوري البطل " للقضاء على مجموعاتهم المسلّحة دخل عملياً حيّز التنفيذ وأثمر بحسب المصادر نتائج إيجابيّة ،انه جرى تطهير كل قرى ريف دمشق تقريباً التي تبعد بعضها عن العاصمةبين 15 و20 كلم ،وان الجيش انتقل للانتهاء من استرداد بعض أحياء حمص ،وسيتم التعامل لاحقا مع المسلحين في منطقة ادلب قرب الحدود مع تركيا ،لكن هذه العملية ستكون لها حسابات خاصة، بسبب قربها من الحدود التركية ولطبيعتها الجغرافية الجبلية الصعبة .
وبعد اتخاذ " قرار الحسم العسكري "ازدادت حالة القلق التي تنتاب صناع القرار في بلاد الغرب ،فأي عملية تغيير حقيقية في مركبات النظام السوري سيكون لها تداعياتسيكون له إنعكاسات مباشرة على دول الاقليم ومنها دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية ،لذا تتابع هذه الدول وفي مقدمتها حكومة اليمين الصهيوني المتطرّفة التطوّرات الجارية في الاراضي السوريّة ساعة بساعة ، إن لم يكن دقيقة بدقيقة عبر عملائها وأقمارها الصناعية وسفاراتها ، حتى لا تفاجئها .وضع سيناريوهات لمستقبل سوريا بهدف الـتأثير على وعي الموطنين السوريّين .القراءات الاسرائيلية والأميركية لمسار الفورة السورية ، قراءات واعية وهادفة . وليست ساذجة او غبية .وتعمل بوسائلها وأدواتها على تكريسها في الواقع السوري من خلال عملائها.وبالتالي ليس مستغربا حدوث تطوّر في المؤسسة الامنيّة السوريّة ،كأن تدفع الادارة الاميركية بعض رجالاتها ( عملائها ) كما حصل في اليمن ، بالاستقالة تحت عنوان التمرد على حكم بشار الأسد والانحياز للفورة ،كي يركبوا موجة الفورة ، ويوجهوها وفق المصالح المشتركة الولايات المتحدة وإسرائيل .
وأيضا ممكن انشقاق بعض رجالات الحكم عن النظام
وبالتعاون مع بعض قيادات المؤسسة الامنيّة يتم اعتقال بشار وعائلته والمحسوبين عليه
،ثم تتم محاكمتهم باسم الفورة .وهكذا يتم الالتفاف على الفورة .كما يمكن ان تتدخّل
بعض الدول العربية او الاقليمية بإيعاز من الولايات المتحدة وإسرائيل لضبط ايقاع
مسار الفورة تحت ذريعة حماية الشعب السوري من المذبحة كما يجري الان في اليمن
وليبيا ....إلى ما هنالك :من الاحتمالات والتوقّعات ممّن يخطر على البال او لايخطر.
بعد كل هذه الانشقاقات لأبطال الفورة وطالبي الحوريات .. تخيلوا " لا سمح الله " سوريا الجديدة بعد انتصار الفورة .. أعتقد أنها ستكون أي شيء .. أي شيء .. غير سوريا ..