كانت نسمات ربيعية جميلة , جلس الرعاة تحت شجرة بعد اطمئنانهم على قطيع الأغنام فقد خبت أصواتها وجلست في قيلولة .
بعد انكسار حر الظهيرة وانزياح قرص الشمس عن كبد السماء حانت ساعة عملهم , حيث استيقظوا على عجل لاتمام المهمة التي أنيطت بهم من قبل أسيادهم أصحاب الأملاك , فأطلق أحدهم الصفير الذي اعتادت عليه الخراف , ولكنه كان صفيراً في غير أوانه , وبما أن الغريزة الغنمية لاتسمح للقطيع بإبداء الرأي أو الاعتراض وفي أقل الإيمان الاستفسار كان لابد للجميع أن يكون رهن الإشارة .
سارالقطيع باتجاه واحد كالعادة في صفوف متلاصقة ورؤوس مطأطئة بلاهدف حاك في نفسها أورغبة أثارت غريزتها .
ارتفع من وسط القطيع بعض الغبار الذي لم يألفه الرعاة في هذا المسير , فنظر أحدهم إلى هذا الهرج والمرج وكان حاد البصر وخصوصاً عند حصول مثل هذه الأمور غير المألوفة وصاح قائلاً : إنه الحمل الأقرن نفسه .
فرد الرعاة الآخرون : قاتله الله كم تعرض هذا الحمل للضرب والإذلال ومع ذلك ما زال متمرداً لا يرضخ لأحد .
فتناول أحد الرعاة حجراً من الأرض وضرب به هذا الحمل فأصابه , فهدأت عريكته قليلاً ثم عاود تكرار تمرّده .
نظرت إليه الخراف نظرات غير ذات معنى وصارت تبتعد عنه خوفاً من أن يصيبها بعض الأحجار التي أطلقت تجاهه وهو لا يفتأ ينهال على صفوف الخراف التي بجواره بنطحات موجعة محاولاً الإفلات , فقد طفح به الكيل بهذا السير الجماعي الممل كل يوم إلى المراعي , وهذا الرضوخ والصمت القاتل الذي حاول منذ ولادته أن يكسره , ولكن هيهات فقد كانت الحرية التي ينشدها بعيدة المنال , فقد كانت الغريزة الغنمية متأصلة ومتجذرة في العقول والنفوس ومحاولة استئصالها يحتاج إلى تمرّد كبير يشمل الجميع بلا استثناء فاليد الواحدة لا تصفق بمنأى عن أختها .
لقد كان تمرّده اليوم خلال هذا المسير لشعور داخلي بوجود مصيبة ما قادمة , فقد رأى صاحب الأملاك البارحة برفقة الرعاة على غير المألوف وأشار إلى الخراف إشارة جعلته قلقاً طوال الوقت .
كانت الخراف تنظر إليه على أنه شاذ عن هذا القطيع , فقد كان أقرناً وهم قد شابت أصوافهم ولم ينبت لأي منهم قرن ولو كان صغيراً , ولكن هذا الأمر كان يفرحهم لأنه يجعل الرعاة بعيدين وراضين عنهم , وكان الرعاة يعانون الأمرّين من تمرده ورفسه وتحاول تحاشيه ما أمكن .
بعد هدوء الغبار للحظات ظهرت زوبعة جديدة ونظر نفس الراعي ليلاحظ أنه ليس وراء هذا الغبار إلا هذا الحمل الشقي .
نظر الرعاة بعضهم إلى بعض نظرة تآمرية توحي بحصول اتفاق خلال لحظات فيما بينهم , فدخل أحدهم يسبح ضمن القطيع للوصول إلى الحمل الأقرن والإمساك به , ولما وصل إليه ابتسم الراعي ابتسامة خبيثة هلع لها قلب الحمل . حاول الحمل الهروب ولكن الراعي انحنى وعاجله بضربات موجعة فما كان منه إلا أن نطح الرعي في رأسه فشجه , ولما رأى الراعي الدماء تقطر من جبهته ثارت ثائرته وصب جام غضبه الذي لم يكن له حدود على جسد الحمل الصغير .
ابتعدت الخراف عن ساحة المعركة وحاولت ما أمكن تفادي التعرض لأي لكمة طائشة , وفتحت الساحة على مصراعيها للراعي ليفعل ما يشاء في ذلك الحمل الذي كان من أبناء جلدتها , وكالعادة و بحسب الغريزة الغنمية لم يمكن بالإمكان إبداء أي رأي أو اعتراض أو استفسار عن سبب هذا العنف المفرط .
خفقت القلوب الغنمية بشدة وارتاعت عندما وجدت أن الأمور خرجت عن السيطرة حيث أخرج الرعي سكيناً كبيراً ثم كبّر بضع تكبيرات وقام بنحر الحمل من رقبته بطريقة انتقامية .
رفض الحمل الاستسلام وقام بقفزتين في الهواء محاولاً البقاء على تمرّده حتى ولو كانت الدماء تنفر من رقبته , ثم سقط سقطة مدوية وهيج زوبعة من الغبار بقدميه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة , وانقطع بعدها عن الحراك معلناً نهاية حياته ونهاية أي تمرد في هذا القطيع بعد اليوم .
هدأت نفوس الرعاة للخلاص من هذا الحمل ولكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً , إذ ظهرت من وسط القطيع عدة زوبعات من الغبار تشير إلى وجود حملان أخرى أعلنت التمرد فقد هالها ذبح هذا الحمل بهذه الطريقة الشنيعة وعدم اكتراث الكهول من أفراد القطيع لهذه الجريمة .
نظر الرعاة بعضهم إلى بعض من جديد ولكن أكبرهم ابتسم ابتسامة الواثق وقال لرفاقه : لا تهتموا ليسوا إلا خمسين رأساً فيهم بعض الحملان المتمردة , لا تأبهوا فبعد ساعة من الآن سننتهي منهم جميعاً .
نظر أصغر الرعاة باستغراب وقال : كيف سننتهي منهم .
قال الكبير: لقد أمر المعلم بذبح هذه الخراف جميعاً اليوم , فعنده وليمة عرس لابنه البكر سوف يدعو إليها عدداً كبيراً من الناس .
سار القطيع مكملاً طريقه والحملان الصغيرة تحاول الهروب والخراف الكبيرة تسير نحو قدرها المحتوم غيرعالمة بما يخبئ لها أسيادها .
ولما وصل الجميع إلى الساحة الكبيرة في البلدة فوجئت الخراف بتجمع عدد كبير من الرجال يحملون السكاكين وكانت الكلاليب منصوبة على جوانب الطرق , فنظر بعضها إلى بعض وهم يتلاومون على ما فرطوا بعدم مناصرتهم للحمل الأقرن , وكأنّ لسان حالهم يقول : ذُبحنا يوم ذبح الحمل الأقرن .
الدكتور المحترم : رائعة جداجدا . ولكن الإسقاطات بحاجة لقليل من التعديل . إن سمحت لي . والصورةالعامة وصلت ورائعة ومعبره عن حال النعاج كلها هذه الأيام عفوا أقصد الخرفان . تقبل مروري