التجأ الإنسان للعمل منذ قرون ولّت ، بحكم الحاجة للغذاء وحفاظه على البقاء وسعيا إلى الخلود ، فصارع الحياة وتمرّد على قوانين الطبيعة ولم يوفّر جهدا أو مشقة في السعي لنيل ما أراد . وإذ كان الحظ حليفه وبلغ قصده ، ومع وجود ذرّية يستمر بها وجوده ، دعت الحاجة في توفير الوقت والجهد ، وشرح الآلام والآمال إلى تدوين آثاره وتلخيص معارفه ، ورسم خططه وأحلامه ، ليأخذ الخلف بيد السلف على ما تهديه فطرته السليمة ، وتعينه المعارف المكتسبة ، ليزيد في المعارف والإنجازات وتستمر مسيرة المجد والخلود فكان ما كان وابتكر اللغة التي تلبي هذه الحاجات ، وإذ هي لغة من أعظم اللغات ، ألا وهي اللغة العربية .
عندما نتكلم عن اللغة العربية وقواعدها وقوانينها فإننا لا نبتعد ابدا عن قوانين الطبيعة قوانين الفلسفة والمنطق ، فهي بداية تتألف من حروف المباني التي تبني ولا تُبنى لبساطتها ، والبسيط أصل والمركب فرع ، وتلك عاقبتها الكون وهذا عاقبته الفساد ، لذلك وُجدت القواعد لضبط ارتباطها ببعضها وتلاحمها.
و إذ أيدت قوانين الطبيعة أن تفرق الذرّات يعطي طاقة عظيمة واتحادها يشكل طاقة أعظم فهذا ما اتفق لحروف اللغة العربية ، فقد تولّدت منه طاقة عجيبة ؛ تجلّت في المعاني المختلفة ، وتسخير الإنسان لها في شتى العصور .
وكلما ازدادت الحروف ازدادت المعاني ؛ فالسين تنقل الفعل من المضارع إلى المستقبل ، و"سوف" تنقله إلى المستقبل الأوسع والزمن الأبعد ، وبتغيير التركيب يتحول الفعل إلى الفاعل ومن ثم إلى المفعول ، وفق قواعد بسيطة وإن شذ عنها شيء فقد شذّ لعلّة ؛ لأنها تتكلم لغة العقل . فأغرت ذوي الفكر الثاقب من أرقى الحضارات لاستنباطها ، وتسخير هذه القواعد للارتقاء في صروح اللغة ، لتستوعب مختلف الثقافات وتنتقي ما ينسجم وأصالتها " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض "
ولا نستطيع أن
نغفل بعد قليل من التأمل أننا حين نبدأ الكلام نبدأ بمتحرك ، وحين التوقف نتوقف على
ساكن وبذلك تكون قواعد اللغة العربية لم تغفل عن قوانين الحركة والسكون الذي
اكتشفها اسحق نيوتن
؛ فالجسم ساكن ساكن أبدا ، والمتحرك متحرك أبدا إلى أن تعمل فيهما قوة محركة ،
وبهذا القانون ينتقل الفعل المرفوع إلى منصوب أو مجزوم ، ليقوم بدوره في التأثير في
الاسم فيرفعه أو ينصبه ، إلا أن قُدّر له أن يتدخل أحد الحروف لجرّه .
والاسم يعتبر بسيط لأنه يدل على دلالة مجردة عن الاقتران بالزمان ، وإما أن يأتي مسندا أو مسندا إليه ، ولم يكتفي الأئمة في ما ذكر ؛ ففرقته عن دلالته في الإسناد أو الإسناد إليه كما في اللغات الأجنبية إذ لا فرق بين فاعل ومبتدأ ، وبين الفعل و الخبر ، ليستقل كلّ بأحكامه ولا يفنى واحد في الآخر ، وليدفع الالتباس عن الجملتين الاسمية والفعلية ، وتعقيبا على ما ذكر تدخل على الاسم العوامل المختلفة ليتحول من فاعل إلى مفعول به، ومن ومن مفعول إلى مجرور ،لذلك كان معربا ، لتتصرف به الحركات وتدل على مكانته .
أما الفعل فهو مركب أولا فهذا يفيد في قوته وثباته ، وموضعه واحد دائما ، وهو الإخبار عن حالة الاسم ، لذلك كان مبني ، أي من البناء ، يعني الثبات . وبما أن دوام الحال من المحال ، لذلك شذ عنه المضارع لعلة ألا وهي المضارعة أي المشابهة ، المشابهة لاسم الفاعل ، مشابهة لفظية بالحركات والسكنات ؛ كأن نقول يَضْرِب - وضَارِب ، حركة وسكون فحركة ، ومعنوية بالإخبار عن الحال للحاضر من الزمان .
أما الحرف فقد ناضل وسعى سعيه لكي يعرب ، فزاد في حروفه ، وزاد في مبالغة معناه وأثّر في اسمين بدل الاسم ، ولكنه لم يفلح ، وإن فاز فلم يفز إلا بلقب الحرف المشبه بالفعل ، كما يفوز الأوغاد العاجزون بلقب أشباه الرجال ..
وإذ أتكلم في هذا الوقت عن هذه اللغة ، للفتنة التي أصابتني لاطّلاعي على القليل من سحرها ، وأطمع بالمزيد وأشارككم بما نهلته لأني أيقنت أنها سبب أساسي في تفوقنا ونبوغنا في مختلف مجالات الحياة ، لأننا حين نفكر ، إنما نفكر بالألفاظ ، وحين نفكر بلغة تتبع أصولا منطقية ، فيها من البلاغة ما نستطيع التعبير فيه عن كافة مكنونات النفس وخواطرها وتدوين آثار جهادها وكفاحها ، بديهيا ستختلف النتائج عن التفكير بلغة ركيكة .
وقد وُهبنا لغة عظيمة نزل به قرآن عظيم ، وخطّ مفكروها ممن فٌطر عليها أو تبنّاها آثارهم في حضارات غابرة ، ومازالت حضارات وأمم تنهل من هذه الآثار ، في حين يهملها أهلها . وإذ فكر شباب هذه الأمة أن يقرؤوا تراث هذه الأمة لا يستطيعون فك رموزه وكأنه طلاسم ، وإذ أرى خلاصا لأمتنا فهو بالعودة لأمّنا الرؤوم –لغتنا وهوّيتنا - التي إن حفظناها حفظتنا ، وإن أضعناها أضاعتنا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المقالة مستوحاة من الأستاذ ياسين طربوش – رحمه الله- ومؤلّفه في النحو والصرف – مسالك التراث-
ماجد جاغوب /اي انسان له حق في الحياة والحرية والكرامه مثل اي انسان آخر بمعزل عن لونه ولغته ومعتقده وموطنه واي افتعال للتمييز على اي اساس او قاعده تستهوي نفوس الجهلة والحاقدين تزرع البذور لدورات قادمه من العنف الذي لانهاية له والثمن تدمير كوكب الارض بيد من كرمه الخالق بعقل ميزه فيه عن بقية المخلوقات ولكن الكثير استخدمه في الشر على قاعدة الانانيه وحب الذات التي تكبر من الانا الفرديه الى الطائفيه والطيفيه والمناطقيه ولكن نتائجها مدمره على الجميع والمطلوب تحكيم العقول وعدم اتباع نزعات الحقد والكراهي
شكرا لمرورك سيدي الكريم وان هي إلى شذرات متفرقة لممت شعثها وما هدتي فطرتي إذ لا فضل لي فيها .. شكرا لكلماتك الجميلة مرة أخرى ومروك سيد عصام مرة أخرى ..
لقد أثلجت صدري وبللت فؤادي وجرعتني كأسا من عصير اللغة السمراء حلوة المذاق دونها طلاوة العسل . فجزيت عن سروري بأعظم الجزاء الأوفى ممن كال الكيل وأوفى . أستاذ منذ مدة لم أقرأ هكذا مقال فيه من الفرصةالنادرة واللفتة اللطيفة والحبكة الخفيفة ما يفيد ويعيد إلى غابر الأمجاد .كلساننا لفظ جميل كاستقم . لك الله وبورك الفكر المبدع تقبل مروري
اتفق معك ولكن يبدو أنك علّقت على المقال الخاطئ وإذ أعقب بما لفت النظر إليه أحد المفكرين نقلا عن ناقدايطالي انه حتى التسامح أحيانا يخفي معنى من الدونية للطرف الآخر لكن في مقالي القادم -إن نشره الموقع-اقدم رؤية لبعض الأشخاص الذي كرمهم الله بالعقل كما ذكرت ولكنهم للأسف استغنوا عن هذا العقل ووضعوا نفسهم في درجة أخس ، وهم بدورهم لم يُظلموا وإنما ظلموا أنفسهم. ولست أبرر شيئا بل أؤمن انه كما العقل لضبط النفس وشهواتها وتسييرها كذلك يجب على المفكرين في الأمة ضبط سلوك الشعوب والعوام وتوجيهه نحو مصالهم