syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
الجمعة سيئ الصيت ...بقلم : فراس أبو حمدان

كان الإنسان دائماً, و منذ القِدم, ميالاً بطبعه إلى حماية نفسه بشكل غريزي ضد أي خطر, فوَسَمَ الأخطار التي يخشاها برموز توضيحية تشير للخطر وتدل عليه وتظهر بظهوره. وقد استعان بهذه الرموز خاصةً عندما عجز عن استشعار الخطر ذاتياً, فمثلاً لا يرى الإنسان الكهرباء, لكنه على دراية بخطرها المحيق, فوَسَمَ الكهرباء بالمعدن والماء (الناقلان الممتازان لهذا الخطر المميت) فلا عجب إذا أن نرى شخصاً ما يقارب الكهرباء حذراً كل الحذر من ملامسة المعادن حريصاً كل الحرص على عدم وجود بلل أو تسرب.


كانت تلك مقدمة, ما أريد قوله الآن أن الرمز قد يكون أحياناً مبالغاً به ويمكن أن يصير الرمز أكثر خطراً من الخطر نفسه وأشد إيحائية!

منذ أن بدأت الثورة في سوريا سعتْ ككل عمل جماهيري إلى حشد الطاقات البشرية خلفها, فحتى لو تشاطر الناس ذات الألم وذات الطموح وذات الطريق وذات الهدف فنحن بحاجة إلى ديناميكية واضحة لرصّ الصفوف جنباً إلى جنب ومنحها زخماً واحداَ واضحاً, وبما أن مجتمعاتنا هي مجتمعات دينية بامتياز تَعتبرُ أن السلطة المطلقة والقوة المطلقة والقدرة المطلقة والحظ المطلق بيد ممثلي الله على الأرض , فكان لابد, والحال هذه, أن يبدأ فعل (الجمهرة) من الجوامع التي تعتبر نقاط تجمع جاهزة وبما أن أيام الجمعة ذات مكانة خاصة لدى المسلمين الذين يشكلون الغالبية في المجتمع السوري ونظراً لما يشهده هذا اليوم من ازدحام وتجمهر لتأدية الفرائض فكان لابد أن يرتبط هذا اليوم بالحراك الثوري الأول.

 

لا أريد أن أعيد حقيقة مكرورة هنا, أعني كيف بدأت الاحتجاجات وكيف قُمعتْ وبماذا قمعت وإلى أي حد قمعت.


ما أريد الإشارة إليه هو اصطباغ هذا اليوم بالأحمر الدموي للأصوات العالية المهروقة على جنبات هذا الشارع أو ذاك, وبما أن صوت الصراخ والأنين أعلى من صوت الفرح والضحكات فكان سريعاً ومباغتاً ذاك التحول للجمعة من يوم رحلات ونزهات وترفيه وشواء إلى يوم تتكثف فيه سحب البارود حتى تكاد تتعرق ويعلو الصراخ حتى يقضم الآذان ويسيل الدم حتى تغصّ به الأزقة .

ثمّ ماذا؟
ثم وصلنا إلى يومنا هذا وبتنا (كمدنيين ديمقراطيين) طرفاً غير مكترَث به, وتحصيل حاصل في لعبة تديرها الجيوش وتتحكم بها قوى عظمى من هنا وهناك وبات كل يوم مسرحاً جديداً لمجزرةٍ ما هي انتصارٌ ما, ومقبرة ما هي وسام ما وكَرٌّ هو فر, وفرٌّ هو كَر.

أما لماذا احتفظ الجمعة دوناً عن سواه من الأيام بهذا الصيت السيئ فهو سؤال لا أملك له جواباً! وهو – وإن كان يوم عطلة- لا يحمل بين ساعاته خطراً أكثر أو موتاً أكثر أو قلقاً أكثر مما يحمله أي يوم آخر.
ألا نستطيع زيارة أصدقائنا وأقاربنا (أو من بقي منهم) يوم الجمعة؟
ألا يمكننا أن نمارس هواياتنا (أو ما يصلح منها للممارسة) يوم الجمعة؟
ألا يمكننا الاسترخاء (في الغرفة المجاورة لتلك التي التهمتها قذيفة) يوم الجمعة؟
ألا يمكننا مواعدة رفيقاتنا الجمعة؟
ألا يمكننا شرب نبيذنا (غير المُسكر طبعاً) الجمعة؟
ألا يمكننا...
ألا يمكننا..

إذا لماذا هذا الرعب المتفق عليه سراً وحظر التجوال الاختياري في يوم الجمعة؟

 

 

2013-08-08
التعليقات
محمد عصام الحلواني
2013-08-09 11:25:38
الأستاذ المحترم فراس أبو حمدان
لقد أحييت في قلبي أملا ميتا يا استاذ فشكرا لسعة صدرك . وشكرا لإنسانيتك التي أعتصم بها أنا بدوري . وليت الحوار والنقاش يرقى إلى مرتبة الإختلاف تحت قبة الإنسانية . وطالما أنك قبلت تعليقي بتلك الصورة الرائعة فهذا يدل على أفق واسع وتطلع نحو حل يرضي الجميع تحت قبة الوطن وعلى مسار الإنسانية شكرا لك مجددا . تقبل مروري

سوريا
فراس أبو حمدان
2013-08-08 23:25:02
كل الشكر سيد محمد عصام حلواني
شكراً لردك المهذب سيد محمد, أردت أن أنوه أن الخطاب الحضاري يقرب المسافات بين مختلف الأفكار, وقد فعلتَ بكلمات قليلة ما أصبو شخصيا إليه في كل نقاش أخوضه وكل جدال أعرض عنه. لي رأيي المختلف, واحترم رأيك وأعتصم بإنسانيتي ضد كل خرق للإنسانية والحرية يحصل في بلدي وتحت أي مسمى

سوريا
محمد عصام الحلواني
2013-08-08 13:50:35
الأستاذ المحترم فراس ابو حمدان
أسمح لي أن أختلف معك ها هنا فلقد وصفت أشياء بغير صفاتها الحقيقية تقول ( ثورة ) فما قولم بما يحدث في كل الدول العربية التي لاتنبطح تحت نعل الأمريكي وأقصد شعوبها . ولقد قلت وجهة نظرك من زاوية حادة وبعين واحدة .فهناك يا سيدي شريحة كبيرة جدا من المجتمع السوري تحديدا لاتدعو ما يحدث ثورة . فالثورة التي تنتج عن ضغط كبير وطويل تكون أهدافها نبيلة وممارساتها أنبل ففي الثورة تضحيات ولي فيها سرقة واغتصاب .وقس على هذا مثلا من ممارسات أدعياء ( الثورة ) ومسوقو ديموقراطية أمريكا أصحاب الدين الجديد . وشكرا

سوريا