تزخر مجتمعاتنا برغبة عارمة في الإصلاح، ولكن هذه الرغبة يغشاها ضباب كثيف ورؤى مضطربة تحتاج الى فكرعميق فيما ينبغي أن نفعل اليوم، وما ينبغي أن نؤجله للغد.
مطلب الإصلاح كان ولا يزال على مر التاريخ هدفاً للكثير من المصلحين والفلاسفة والمثقفين والناشطين في مختلف أنحاء العالم، ومفهوم الإصلاح الذي تتبناه برنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم الرشيد في الدول العربية هو تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والإستبداد في المجتمع، ومن مظاهر هذا الإصلاح سيادة القانون والشفافية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وكفاءة الإدارة، والمحاسبة والمساءلة والرؤية الاستراتيجية وهو تجديد للحياة السياسية وتصحيح لمساراتها.
فالإصلاح في سورية مطلب قديم متجدد، يمكن تلمّسه ضمن الاحتجاجات التي تميزت بها الأيام الأخيرة من الحكم العثماني، ضد المركزية الإدارية والنزعات القومية الطورانية والتعسف والاستبداد السياسي وانتهى بالثورة العربية تحت قيادة البيت الهاشمي، فضلاً عن ثورة الريف ضد احتكار أبناء المدن للثروة، وحرمان القرى من مشاريع البناء والكهرباء والتعليم عام 1963م.
إن الإصلاح مطلب شعبي، وهم كل مواطن سوري، وذلك ضمن استقرار سورية، كونه إرادة ثابتة ومصلحة وطنية لإنه يسعى الى التطوير ومواكبة روح العصر بما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن ويحقق سبل الرخاء للأجيال القادمة، من خلال بناء الاقتصاد المعرفي المتنوع وتطوير بنية الأعمال للوصول الى مفهوم التنمية الشاملة بمختلف أبعادها.
إن الدعوة الى الإصلاح في سورية ربما ربطها البعض بما يحدث اليوم في عالمنا العربي الذي بات ينظر له على إنه في الطريق الصحيح للإصلاح - الديمقراطية الحقيقية - فهناك التباس في تصورات الكثيرون من الناس لإن الإصلاح في فكر الكواكبي والافغاني يعبر عن مسارات وعبارات كثيرة تقود الى تصحيح المسار والمسؤولية الجماعية والأخلاق والعدالة والاستقرار والقومية ومن ثم تحقيق الديمقراطية، فالخلاف على تحديد ماهية الإصلاح ما اذا كان سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي هو مشكلة بحد ذاتها بحاجة الى إصلاح، فالأوضاع الاجتماعية السائدة والثقافات الخارجة عن المألوف، وغياب التراث والتاريخ وتسارع التعليم والبعد عن أسس التربية هو من أهم مشكلات فهم الإصلاح.
من أركان التطوير والاصلاح الشمولي رؤيا هادفة تضع برنامجاً للإصلاح والتطوير يتم وضعه بناءاً على تجربة مجموع من ساهموا في مؤسسات المجتمع المدني آخذين بعين الاعتبار الإخفاقات والنجاحات في مسيرة تلك المؤسسات لإن الإصلاح في سورية هو مفهوم شامل أكثر من تركيزه للدعوات الى الديمقراطية في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، فالبحث عن إعادة تقييم للإنجازات والفشل ووضع الحلول المناسبة أمر لا بد منه، فلو أخذنا نموذجاً مصغراً مما يبدو عليه المجتمع السوري نجد أن هناك فجوة كبيرة في الدعوة للإصلاح وفي التطبيق، فمراحل قطف الثمار تحتاج الى وقت، وضرورة ترتيب الأولويات أمر مهم وأساسي، فالجانب الاقتصادي هو في حالة سلبية لا يمكن القفز نحو خيار الإصلاح السياسي دون تحقيق الأول منها، فحاجتنا الى الطعام تفوق حاجتنا الى الديمقراطية، وحاجتنا الى الأمن والاستقرار يفوق كل ذلك كونهما يعتبران من المرتكزات الأساسية في عملية الإصلاح.
واضح إذن أن الإصلاح ليس جملة من الشعارات تطلق، أو إرادة فرد أو مجموعة من الأفراد تفرض على المجتمع، بل عملية متعددة المسارات تقوم في المقام الأول على تحقيق شروط موضوعية على أرض الواقع وفي مقدمتها بناء ثقافة سياسية تسمح بتعاون القوى الاجتماعية في عملية بناء المؤسسات التعليمية والقانونية والإدارية والاقتصادية والسياسية التي تشكل دعائم القوة والنهضة لأي مجتمع.
فمعادلة التفوق والكفاءة هي هبة موجودة لدينا وفطرة وجدت لدى الكثير من المواطنين، لكن في الجانب الآخر يوازيها دلالة الانحياز وحسابات الواسطة التي قضت على آمال الكثير من شبابنا، والتي أخرجتهم من حالة الأمل الى خيار التغيير والبحث عن دافع جديد من الإصلاح، كون الشباب هم وقوداً لحركات التغيير في كل المجتمعات، لما يتمتعون به من حماسة القلب، وذكاء العقل، وحب المغامرة والتجديد، وعدم الرضا بالقديم والتطلع دائماً الى كل جديد، لإنهم عنصر الحيوية والعطاء في الأمة والمجتمع، فإن مجمل هذه الخصائص ترشحهم ليكونوا طليعة التغيير ورواد كل جديد.
فالمجتمع السوري يتمتع بخصوصية تختلف عنها ما هو موجود في الدول العربية ربما يكون هناك الكثير من الثغرات والتي أوجدتها الظروف الراهنة وأخطاء الآخرين، ورغم التعاطي مع قضية الإصلاح بشيء من الضعف وتشتيت في الأفكار، فالتباطؤ والتسارع فيه سمة تبرز مع بروز أزماتنا ولكن يبقى الحذر يزداد مع بروز مظاهر عدم الاستقرار وإنخفاض مستويات الإدراك الأمني ، في إطار ذلك يمكن القول إن أي دولة ما كان لها أن تقوم إلا على أساس قاعدة الأمن والاستقرار المستتب في كل أنحاء المناطق ولعلنا في هذا البلد العزيز والغالي على قلوبنا لم ندرك أهمية الأمن وحتمية الأمان والاستقرار إلا من خلال هذه المرحلة الذي انتشر فيها الانفلات والفوضى.
لذلك يعتبر الأمن والاستقرار هو من أهم العوامل المهمة في بناء الدولة وتطورها، فلا يمكن أن يتحقق هذا الجانب في غياب الإدراك والايمان والاعتراف بالآخر وضرورة القبول بتبادل الأدوار.
فاليوم يمر المجتمع السوري بظروف حساسة اثقلت كاهل الشعب، دفع السوريون تكاليفها من دمائهم وتكاليف معيشتهم، وأصبح من الضروري على الحكومة السورية السعي الجاد لخلق التغيير المنشود لتحقيق كافة التطلعات والآمال الوطنية العريضة التي يتطلع إليها الشعب بكافة فئاته للوصول الى غد مشرق وواقع حياة مزدهرة أكثر ألقاً، والى ظروف أكثر أمناً وأقل عنفاً وفساداً.
فخيار الإصلاح هو رغبة وإرادة شعبية، وهو ضروري لمستقبل المجتمع السوري وهو الطريق الوحيد لتفادي تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والمعيشية وزعزعة الاستقرار، ويفسح المجال لوقف تحرك الطامعين والطامحين بهذا البلد، وبالتالي فهو مرهون بتكوين إرادة شعبية للإصلاح، نابعة من احتياجات أفراد المجتمع من جهة ومن تزايد الوعي الشعبي وليس من طموحات فردية أو حزبية ضيقة من جهة أخرى.
فمن دون أي خطوات إصلاحية جادة لا يمكن أن يتواصل ويستمر أي نجاح تنموي أو اقتصادي، ويكفي هنا ان نتذكر أن تكافؤ الفرص والشفافية والمحاسبة هي مفاهيم تقع في قلب أي اقتصاد ناجح، وهذه المفاهيم لا يمكن أن تحافظ على فاعلية الاقتصاد من دون أن تكون في مناخ مناسب يتوفر فيه حريات سياسية وتعبيرية، ونزاهة وسيادة القانون، وفي حال غياب القضاء المستقل، والتعددية والصحافة الحرة، فإن الاقتصاد الناجح في الظاهر يعمل بسرعة فائقة على خلق فساد مستشري أو مركب ينمو من دون ردع ولا رقابة.
إذاً فأين نحن من الإصلاح والأزمات التي تعصف بنا من كل جانب في ظل حالة من العداء للواقع العربي الذي غيّب عنّا فرص التفوق، بل أعطى الفرصة لأشخاص يميزهم فقدان التفوق عن ضياع فرصة الإصلاح، فالمتتبع مثلاً لواقع معظم الجامعات والمؤسسات يجد أنه واقع مصغر حقيقي بحاجة الى إصلاح في جانبه الأكاديمي والإداري، فالمهم هنا أن ندرك بأن الإصلاح في أي من المسارات الإدارية والتربوية والثقافية والقانونية يتطلب قوة اجتماعية تبنى على اطروحات الإصلاح وتسعى الى تحقيقه.
ولقد أثبتت التجارب الكثيرة من الحكومات والمنظمات والمؤسسات أن العديد من النكسات والخسارات والمشاكل في العمل كان سببها سوء إدارة العمل وبالتالي فإن تقدم المجتمعات وتطورها مرهون بالاختيار السليم لكوادرها وقياداتها.
وللأسف، كثيراً ما نجد أشخاص لا يكون اختيارهم وتعيينهم على أسس الكفاءة العلمية أو التربوية بل تكون على أساس الصلة أو المعرفة الشخصية، وهذا هضم وإجحاف كبير لحقوق العناصر المتميزة ذات الكفاءة الأحق وينعكس مدلول ذلك السلبي على المجتمع والوطن بأفدح الخسائر، فعدم إسناد الوظائف والمناصب الى مستحقيها وإسنادها الى البعض طبقاً للمحسوبيات والواسطات هو السبب الرئيسي في خسارة الوقت والتخلف والرجوع الى الوراء و انتشار الفساد المالي والإداري وانعدام العدالة وعدم المساواة في الحقوق بين الناس، لأن الشخص الغير مناسب يأتي بأشخاص غير مناسبين من حوله ويعينهم وهكذا .... ولولا وجودهم لما وصلنا الى ما نحن عليه الآن من فساد وضياع الأموال العامة وسوء إدارتها.
لقد آن الأوان بالمبادرات الوطنية من أجل الوطن، وهي إحدى ركائز المواطنة التي يفترض أن نتوارثها جيلاً بعد جيل، لذا علينا أن نوحد الصفوف وأن نتعاون لأننا جميعاً نهدف الى تحقيق المصلحة العامة والى رقي الوطن وتقدمه، كما لا بد من الابتعاد عن الخلافات والمشاكل التي تجر الى التخلف عن ركب التقدم والتحضر، وعلينا أن ننهض بسورية وأن نجعلها في مصف الدول المتقدمة، وأن نتوجه الى الطريق الصحيح بالتوجه نحو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهذه الخطوة هي الطريق نحو الإصلاح الإداري، والذي يعتبر الرافعة القوية لجميع برامج الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي كونه يهدف الى تعزيز هوية الإدارة العامة وإعادتها الى ألقها.
وفي النهاية يمكن القول أن وضع المجتمع السوري على سكة النهضة الشاملة المطلوبة يتوقف على قدرتنا في أن نشجع جميع الأفراد على تحمل مسؤوليتهم والمشاركة من موقعهم في العمل على التغيير وهذا يستدعي تغييراً في أخلاقيات المجتمع واستعادته لقيم الصدق والصراحة والأمانة، كما يتوقف نجاح العملية الإصلاحية على مدى إيماننا بها، وبأهميتها لمستقبلنا وضرورة العمل بروح الفريق الواحد لضمان نجاحهم بالرغم من كال المعيقات التي ستواجهنا، واستمرار مساندة الحكومة السورية في برنامجها الإصلاحي ولكن دون التخلي عن الثوابت والمبادئ، فهناك فرص هامة أمام الجميع للاستفادة من الوضع الديناميكي الجديد، إذ بإمكان سورية أن تصبح منارة للأخرين وأن تعطي أنموذجاً للتحول السلمي باتجاه الحياة الدستورية القائمة على احترام حقوق المواطنين الدينية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
منذ فجر التاريخ والحركات الإصلاحية نشطة على الثرى السوري التي كان آخرها الحركة التصحيحية على ما أذكر، فالإصلاح ضرورة لأي مجتمع إنساني همه البقاء، ولكن كما ذكرت أخي عصام بأن الإصلاح لا يجب أن يكون اعتباطياً وإنما وفق رؤية موضوعية ودراسة مستفيضة من ألي الأمر حتى يؤتى أكله في نهاية المطاف بالشكل الأمثل وبأقل المدفوعات وهذا ما كانت تشهده سوريا قبل إشعال فتيل الحرب فيها فأقول بأن ما نشهده اليوم هو السبب في إطفاء جذوة الإصلاح التي بدأت وليس العكس كما يظن البعض ودمتم سالمين...
نقول لخيام لو سألتك قريبك عمران الزعبي لكان قال لك كل شي تمام عن اي إصلاح تتكلم . ثانيا ياأخ خيام كيف تصلح شئ غير موجود أساسا.. اﻷصلاح يحصل عندما يكون هناك شيئا قائما ولكن يوجد به بعض الأخطاء عندها يمكن اﻷصلاح .