علمونا منذ ملكنا ناصية الحروف وحولناها إلى قوافي ومعان وألفاظ ,أن العرب من أذكى شعوب الأرض قاطبة ,وأن الإنسان العربي ساكن البيداء والصحراء يستطيع أن يتعرف من غبار الخيل القادمة من على بعد ألاف الأمتار هوية راكبها وإلى أي بطن من بطون العرب ينتمي ,وما أن يتقدم الفارس المغوار بضع مئات الأمتار حتى يتعرف على أصله وفصله وأجداده وعشيرته وبطنه وفخذه وما إلى ذلك من سيرة الحسب والنسب .
كما علمونا ونحن مازلنا براعما على مقاعد الدراسة مايتمتع به العرب من قوة للفراسة وبراعة في رصد للنجوم وتحديد مسارها وحساب الأرقام ومعرفة ماتحمله القوافل التجارية من أحمال دون أن يروها من خلال ماتتركه آثار كنوى الثمار وبقايا طعام وشراب وضرب من ضروب العطر والطيب .
وأن العربي ساكن الريف أو البادية ممن لم تمسه رياح الحضارة والمدنية بعد مازال يتمتع بأخلاق وعادات وتقاليد السلف الصالح من قرى من قرى للضيف من اكرامه ومن مفاهيم النخوة والغيرة والحمية ونصرة المظلوم وفض النزاعات عشائريا بحكمة وروية وما إلى ذلك من مفاهيم حفظناها عن غيب وباتت أنشودة الصباح والمساء في مدارسنا وحياتنا اليومية.
وما أن هلت بشائر الربيع العربي المزعوم حتى بدأت تتكشف العورات وتتساقط أوراق التوت وتتبدى في الأفق غيوم سوداء تنذر بربيع تزمجر فيه رياح الجهل والتخلف وتنعق في أصائله ونسائمه غربان الموت والكفر والتكفير,والعقول المتحجرة العفنة القادمة من أعماق التاريخ ومن عصور ماقبل الإنسان الحجري ..
وهنا يحق لنا أن نخلد إلى ذاتنا لنعري حقيقة الإنسان العربي الذي كنا به واهمون فكراً وخلقا وثقافة ومعتقداً ,مع الإعتذار سلفاً من أصحاب العقول النيرة وأصحاب العقيدة الراسخة من كافة الطوائف والديانات وهم يشكلون النسيج الاجتماعي الأكبر والحقيقي للشعب العربي بوعيهم وثقافتهم وغيرتهم وحرصهم على أوطانهم ومواطنيتهم .
وهنا نحاور أنفسنا بعد كل ليلة ويوم تنبعث منه رائحة الموت والخراب والدمار تراودنا أفكار شتى إلى ما آلت إليه الأمور والأحوال وماستؤل إليه غداً وبعد غد أو في المستقبل المظلم المجهول في وطننا العربي عامة وفي سورية الحبيبة خاصة ..وهنا تتراقص في رأسي ورأس كل عربي شريف مؤمنت بعروبته ملايين الأسئلة .. كيف ؟ ولماذا ؟ ومن ؟ ومتى ؟..
اسئلة تطرح وتجعلنا نحلل الامور بذهول ودهشة وتعجب .. أهذا هو انساننا العربي الذي كنا به نتباهى على مر العصور ؟ أهذا هو الفكر العربي الذي أضاء في يوم من الأيام بنور علمه وصلاحه ودينه وعقيدته السمحة أرجاء المعمورة ؟؟والعجب كل العجب كيف استطاع الفكر الضلالي التكفيري التدميري أن يخترق بجهله أذهان شبابنا المؤمن؟ وكيف استطاع عملاء الشيطان أن يحولوا الطيبة والطهر والبراءة في نفوس شبابنا إلى إجرام وحقد وتدمير,وتحويل عقولهم النيرة إلى سراديب ظلام وجهل وتكفير؟ وكيف استطاع الفكر الماسوني الصهيوني الامريكي أن يجعلوا بين ليلة وضحاها من شبابنا وشيبنا من عباد للرحمن إلى عباد للشيطان ..
ومن دعاة محبة وأمن وسلام إلى دعاة حرب وقتل وإجرام ..وكيف استطاع أصحاب اللحى المصتنعة والوجوه العابسة القادمة من أعماق المجهول أن يقنعوا شبابنا بأن الجنة لا تفتح أبوابها إلا على جثث الأطفال وأشلاء الأبرياء وسبي النساء وتقطيع الرؤوس والأوصال وهل يمكن للعقل البشري مهما صغر أو تضاءل ومهما كانت ملته أو ديانته أن يقتنع بأن الله لا يفتح أبواب جنته إلا بعد تقديم القرابين البشرية وسفك الدماء وحرق الجثث والتمثيل بها ..
وهنا أتوجه بطرح أسئلة لكل من ساهم ويساهم بتدمير هذا الوطن ويقتل كل من ينتمي إلى هذا الوطن ..لماذا بين ليلة وضحاها لمع نجم الربيع العربي في وطننا العربي.. ولماذا هذا التوقيت على وجه التحديد حيث انهيار الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ مما يجعل الغرب الاستعماري يفتش عن بدائل لحل أزمته وتحسين اقتصاده فلم يجد سوى فكرة الربيع العربي يغزو بها مجتمعنا وحضارتنا ..
والسؤال المطروح ..لماذا لم نر ربيعاً هندياً أو صينياً أو فرنسياً أو اسرائيليا صهيونياً أو من أية دولة كانت ..وهل كل بلدان الأرض مستقرة أمنياً واقتصادياً وأخلاقياً وسياسياً ودينياً ولم يبق إلا وطننا العربي بؤرة للفساد والتخلف والجهل والرشاوى والانحلال الخلقي في الأرض فأرسلوا لنا تجار الأخلاق والديموقراطية والموت المبطن بالحنان والسلام من يعلمنا ديناً جديدا وخلقاً جديداً وثقافة جديدة تمسح ماضينا وتدمر حاضرنا وتحرق مستقبلنا وهل اكتلمت كافة مقومات الانسانية ودعائمها في أرجاء الكرة الأرضية ولم يبق سوى وطننا العربي المريض مما يسمى بداء القومية العربية والنخوة العربية والأصالة العربية والعداء المزمن لإسرائيل وللصهيونية فقاموا بطبخ فكرة الربيع العربي ليستأصلوا تلك الأمة التي أرقت مضاجعهم وعكرت عليهم صفو حياتهم ..
لقد طبخت فكرة الربيع العربي في مطابخ البيت الأبيض ودهاليز اللوبي الصهوني حيث يعمل أمهر طهاة المؤامرات في العالم.. ونفخوا في طبختهم ببوقين اثنين بوق يدعو إلى طمس معالم القومية العربية واستئصالها من جذورها والمناداة بالتطبع مع اسرائيل وجعلها قطرا شقيقاً وذلك عبر عملائهم التكفيريين من تنظيم القاعدة وبدعم من دول عربية باعت نفسها منذ عقود للشيطان وبوق يدعو ظاهرا إلى المحبة والسلام والخوف والحرص على عربنا وعرباننا وأطفالنا وشيوخنا ليهدوهم ربيعاً لم يحصدوا من ثماره سوى الشوك وملايين الضحايا وخراب مؤسساتنا وبنانا التحتية وتمزيق الأوطان وقتل الانسان لأخيه الانسان ..وعودة إلى الربيع العربي الموهوم حيث نقف حائرين أمام معادلة صعبة لا أدري من أي درجة رقمية هي ..
هل الربيع العربي كشف الغباء العربي أم أن الغباء العربي هو من أوجد وهيأ تربة صالحة للربيع الموهوم ..وللتوضيح استشهد بمقولة السيد المسيح الرائعة ..من ثمارهم تعرفونهم ..فلكل ربيع ثماره ويعرفها الجاهل والمتعلم ..فكلمة ربيع تعني خضرة وحياة وزهور وضحكات أطفال وزقزقة عصافير وصفاء وعيش ورقرقة مياه ..وإذا ما أخذنا كلمة ربيع في التعبير المجازي للثورات فالربيع يعني ميلاد فجر جديد واشراقة شمس حرية وإضاء شعلة كرامة ..وازدهار وتعمير وبنيان الأرض والانسان ومستقبل لأجيال قادمة لا إذلال فيها ولا خضوع ولا امتهان كرامات..
تلك هي ثمار الربيع الذي نادى بها السيد المسيح ..فأي ثمار ربيعكم أيها الجاهلون ..إن الشعب العربي والعالم أجمع ينظر بازدراء واحتقار إلى ربيعنا العربي .. حيث استطاع الفكر الشيطاني الصهيوني أن يخترق شريحة من شبابنا على درجة من الغباء والجهل والتعصب الأعمى للدين الذي لا يعرفون منه سوى اسمه وبمساعدة عصبة من أغبى أغبياء الارض ومن حملة الفكر العقائدي الوهابي الأكثر تطرفا وتحجراً والقادمون من أعماق الشيطان والأفكار الفرنجية وبعض البلدان العربية للأسف الشديد لينفثوا سموم أفكارهم وأحقادهم في وطننا الحبيب سوريا ويحرك هذه الشريحة ملوك الموت في العالم باسم الدين والحرية وباسم الربيع العربي ولما كان الهدف من فكرة الربيع الدموي واضحة وضوح الشمس وهي استئصال فكرة القومية العربية والكيان العربي والوجود العربي وعليه أناشد كل من حمل فكرة الربيع الأسود الدامي ..
عودوا إلى ضمائركم إن بقي في أجسادكم ضمير ..ماذا فعلتم بأمة باركها الله وماذا انتم بها فاعلون .. تلك ليبيا صارت مرتعاً للصوص وبؤرة للفساد ومنبعاً لتصدير الارهاب والقتل والدمار ..وذاك ربيع مصر وتونس واليمن والعراق مثلما بدأ كذلك انتهى بتدمير المساجد والكنائس وقتل ونهب وسلب للحريات ..وذلك ربيع سوريا نفخوا فيه بكل أبواق الفتن والتحريض فلم يستطيعوا إلى اختراق الجسد السوري سبيلاً ولم يحصدوا إلا الدماء والموت والدمار ..ارسلوا أصحاب اللحى وفتاواهم التضليلية ..حرموا الحلال وحللوا الحرام بدع وكذب وافتراء وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان ..
حللوا نكاح الأخ لأخته وإهداء الزوج لزوجته للجهاد سرقوا فحللوا سرقاتهم قتلوا وافتوا بتحليل دم قتلاهم هدموا الكنائس والمساجد مهللين مكبرين خطفوا أصحاب المقامات الدينية من كافة الطوائف والملل ,تاجروا بأجسادهم ومثلوا بجثثهم متفاخرين وأنتم يا أبناء وطني وأبناء شعبي وأبناء جلدتي تنظرون وتشاركونهم أفراحهم ..أي جهل وصلتم اليه أيها الجاهلون تنتظرون ايها المجاهدون أن تطرح إخوتكم وبناتكم وامهاتكم في أسواق النخاسة لتباع غصباًعنكم وانتم تنظرون باسم جهاد النكاح دون أن يجرؤ أحدكم على الاعتراض او التبرير فيكون مصيره الموت ,إذا كان هذا ربيعكم فبئس ماحملت بطون أمهاتكم وبئس مابه تؤمنون ,ربيعكم هذا ربيع هدر الكرامات واعتقال الحريات وقتل كلمة الله والانسان في هذا الوطن وخير ما نصل إليه من نتيجة لهذا الربيع الأحمق .
ربيع بلا ورود شعب بلا كرامة.