news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
طوبى للشام ...بقلم : الدكتور دارم طباع

من أصدق رؤية من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال وكرر، ياطوبى للشام! ياطوبى للشام! ياطوبى للشام! فقالوا له وبم ذلك يارسول الله؟ قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام.


 وهل في العالم كله بلاد حباها الله بنعمته كبلاد الشام؟ وهل هناك أجمل وأروع وأنقى وأطيب من بلاد الشام؟ وهل كان للعرب والمسلمين أن يجتمعوا حول راية أمة واحدة لولا بلاد الشام؟ وهل عرفت الدنيا عاصمة خرجت منها راية التوحيد غير دمشق درة بلاد الشام؟ غزاها الأعداء من الشرق والغرب، فاندحر الأعداء، وبقيت بلاد الشام عروساً تختال ببهائها وزينتها، قصدها رجالات العلم والدين والأدب والفن والسياسة والاقتصاد فأحبوها ونسوا أصولهم وتباهوا بالنسب إليها، سرق التتار والفرنجة مهرة صناعها إلى بلادهم ليسرقوا حرفتها، ولم يدركوا أنهم نقلوا روح الشام إلى ديارهم لتنتشر تلك الروح الخصبة في كل عواصم العالم ومدنها، أرادوا لهذه الأرض الطيبة أن تحترق وتموت، فماتوا جميعاً وبقيت بلاد الشام أرض المحشر والمنشر، ينزل فيها عيسى بن مريم عليهما السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، لتكون حقاً مجمع القداسات، وأرض الأنبياء.

 

دمشق حاضرة الدنيا.. كيف لا.. وهي التي عرفها العالم أجمع أقدم عاصمة مأهولة بالتاريخ.. امتد حكمها إلى الصين .. وملأت شهرتها أصقاع الأرض..فارتسمت في مخيلات الأدباء والفنانين.. واحة نادرة لأصل الأشياء.. فالنادر فيها أن لاتجد بها مبتغاك.

 

تشكل دمشق، في تكوين أبنائها المخلصين، الروح المتجددة التي تسكن أجسادهم المتأزمة هذه الأيام، وفكرهم المتقد، الذي يملأ عقولهم المثقلة بالحيرة والأسى، عما وصلت إليه بلادهم اليوم، فيستيقظون كل صباح ليسمعوا أنين شوارعها التي قطعتها الحواجز الإسمنتية، ويرون عبوس مقاهيها التي غادرتها عيون محبيها، يشربون ماء فيجتها الذي لم يعد بعذوبته قادراً على كسب قلوب الناس فيها، وغير قادر على جمعهم في مقاهي ربوتها، وحلقات السمر التي كانت عامرة حول بحرات بيوتها، تستظل بياسمينها، وتستجدي كبادها ونارنجها أصنافاً رائعة من الحلوى، ملأت قلوب قاطنيها سكينة وهوى لايعرفه إلا من وقع في عشقها، ومن ذا الذي لم يعشقها، وهي البكر المتجددة في شبابها، تحمل أسطورة الشرق التي نبعت منها حكمة الإله الواحد الأحد، وخصَها العليَ القدير بسمة لاتفارقها، فنقلت للبشرية جمعاء بشائر البعث والخلود في صورة ديانات متعددة ومتنوعة لها ربَ في السماء، وبلد أمين على الأرض، عاصمته الفيحاء دمشق، وكيف لاتكون عاصمة الدنيا وهي المكان الوحيد على الأرض الذي يمنح النسب إليه بكل بساطة ويسر لجميع ساكنيها، عرباً كانوا أو أعاجم، أغنياء أم فقراء، ماجنين أو زهاد، وكأنها تقول للجميع.. كلكم أبنائي.

 

ينظر الجميع إليها هذه الأيام فيروها باكية حزينة ومتعبة، فهي التي اعتادت قهر أعدائها، وجورهم، وظلمهم، تئن اليوم تحت وطأة ظلم أبنائها بعضهم لبعض، يتربص فيها الأخ لقتل أخيه في كل زاوية من زواياها، ويتباهى جميع أبنائها في هدمها وخرابها وحرق منازلها، وتشريد عائلاتها، أعمت العصبية والقبلية والأنانية عيون مواطنيها، فأصبحوا لايسمعون صوت العقل، ولايلهيهم سوى صوت المدافع والرصاص، دمشق الوليد التي افتخرت بمائها وهوائها وفاكهتها وجامعها الكبير، يجبر أبناؤها على الوقوف على طوابير الخبز ساعات وساعات، وهي التي أطعمت روما قمحها قروناً طويلة، لا لأنها تتعرض لعدوان خارجي غاشم فقط اعتادت عليه، وتجهزت له، بل لأن أهلوها أيضاً أدخلوها في أتون حرب فاقت بضراوتها وقسوتها حرب داحس والغبراء.

 

دمشق بنت العروبة، تتكسر على جنباتها آخر أحلام العرب في أمة واحدة، فالوليد الجديد كما خططه الغرب لها مسخاً قزماً لايقوى حتى على أداء صلواته، ولكن أليس للتاريخ دلائله أيضاً؟ بالطبع، فدمشق التي شهدت بزوغ وأفول حضارات عدة لم تقف يوماً عن الحياة، ولم تعرف الذل والخنوع واليأس، بل كانت دائماً تتقمص العنقاء في انتفاضتها، فتخرج من محنتها لتنفض آثار الجور الذي لحق بها، وتخرج أقوى وأصلب من ذي قبل، لترفع لواء عزتها ومجدها من جديد.   

 

هي الأرض التي لم تعرف يوماً سوى إله واحد، ولم تنظر يوماً إلى الناس قاطبة إلا من منظار واحد هو منظار الحق، دخلها شاؤول هائجاً غاضباً متوعداً أصحاب الرسالة السماوية الصادقة، فألهمه الله فيها الحق على يدي راهبها حنانيا، ليخرج منها رسولاً للحق، فتحول إلى بولص الرسول، وخطى خطواته نحو روما، لتكون بلاد الشام طريق الخلاص الأوحد للبشرية جمعاء في نشر الدين الجديد، ولتنتشر الكنائس والأديرة بعده في كل أصقاع العالم.

 

وكما هي طبيعة بلاد الشام خرجت شعلة الحق المقدسة من مكة المكرمة لتحط من جديد في بلاد الشام، وتنتشر الديانة الإسلامية السمحة من هناك إلى جميع أنحاء العالم، ليتمم الله بها مكارم الأخلاق على البشرية جمعاء، ارتفعت المآذن فيها ليعلوا صوت الحق، وشيد على أرضها أضخم جامع في عصره، وتعانقت فيها المساجد والكنائس بطريقة فريدة جسدت عظمة التلاحم الشعبي في محبة الله، فصدحت حناجر أبنائها بنداء المحبة الخالص، بعيداً عن أي تعصب لمذهب أو دين، وتوج هذا النداء الطهور بنفحات إلهية صافية أنشدتها حناجر مؤمنة لم تتجه في صلواتها إلا إلى وجه الله الواحد الأحد الذي لم يفرق بين أحد من خلقه.

 

عانت بلاد الشام ويلات الحروب، وداس المغول بخيولهم رؤوس النساء والأطفال فيها، وعمل الفرنجة فيها ماعملوا أثناء احتلالها، فما وهت تحت وطأة هذه الحروب الطاحنة، فبلاد الشام لاتموت، لأنها تعود دائماً لتلأم جراحها، وتكفكف دموعها، وتصبر على بلواها، لذلك وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: من صبر على شدتها ولأوائها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة.

 

كيفما تجولت في سورية فأنت وبلا أدنى شك ستبهر بعظمة وغنى هذه الأرض الطيبة، لكنك وإن شعرت في لحظة ضعف من لحظاتها أن فيها من الناس من أعمت عيونهم الضغينة، وغلف اليأس قلوبهم، فخرجوا من جلدتهم الطيبة، ولبسوا لباس الشيطان، فهؤلاء ضحية مأساة كبرى حلت بهم، ولابد أن يجلي الله قلوبهم، فالسوريون جميعاً وبلا إستثناء أناس طيبون، يحملون وطنهم في عيونهم، وتملأ محبة الله قلوبهم، لايفرقهم دين، أو عرق، أو جنس، فهم جميعاً صفوة خلق الله في صفوة أرضه، وهذه رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، ولتدخلن الجنة من أمتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب، وبعد فهل يستطيع أحد أن يشكك في إيمان أهل الشام؟ بالطبع لا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام.

 

ما أجمل أن نرفع أيدينا اليوم إلى السماء، جميعاً بلا استثناء، مهما كنا وأينما كنا، طالما أنا سوريون لنقول: يا طوبى للشام! يا طوبى للشام ! يا طوبى للشام.

 

2013-09-18
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد