قريبة لي ضحكت بصوت عال على غير عادتها ونحن في طريقنا لإيصالها لمطار الملك خالد الدولي بالرياض لتغادر عائدة مع والدها إلى سوريا , قاطعت استغرابنا من ضحكتها بسؤالنا عن مدى غباء المسؤول عن وضع اللوحات المرورية على طريق المطار والتي تحدد السرعة وتقول جهاراًً نهاراًً : (انتبه الطريق مراقب بالرادار) لتعود وتستدرك مغزى سؤالها بقولها " أيعقل أن يتكلف الناس تكلفة وعناء مراقبة طريق ما بالرادار ومن ثم يقومون بتنبيه السائقين بوجوده ؟؟؟ ما هذا (الجنان) ؟ ما فائدة الرادار إذاً ؟؟ ً
عندئذٍ أجابها خالي (الذي كان يقود السيارة) والأكثر خبرة فينا بهذا البلد بعد إقامته فيها لمدة تزيد على 20 عاماً قائلاً : أبداً لا غباء ولا جنان بل بالعكس (قمة الرقي والحضارة) فالغاية هنا هي تنظيم السير وتقليل ما أمكن من الحوادث وليس المخالفة ... وقتها كنت لا أزال حديث الإقامة في المكلة فلم تتجاوز إقامتي وقتها السنة ونيف (هذه القصة منذ عشر سنين) وتحديدا عام 2000 إلا أني لا أزال أتذكرها واستحضرها في كل إجازة أقوم فيها لبلدي الغالي سوريا وبالذات في الفترة الأخيرة بعد أن تم اعتماد كاميرات التصوير في النظام المروري لدينا والذي هو بحد ذاته وكفكرة يعتبر نقلة حضارية بكل المعايير والمقاييس.
وبغض النظر عن شكرنا للقائمين عليها من مخططين و مسؤولين ومنفذين فإنه يتوجب علينا كمواطنين أولاً و كمسؤولين عن حضارة بلدنا ثانياً أن نقابل هذا الرقي وهذه النقلة النوعية الحضارية في التعامل التي واجهتنها بها وزارة النقل بمثلها من الوعي والتحضر , فنقول الحق بما فيه من المدح ولا نسكت عما نراه خطأً مهما كان .
وقد قرأت اليوم خبر تسبب (انبثاق شرطي مرور) من بين الشجيرات لتصوير سيارة مسرعة إلى حادث كاد أن يودي بحياة أطفال بمدينة حماه... وبغض النظر عن المسبب الحقيقي والذي أكدت إدارة المرور أنه ليس الشرطي (فقد كان يستظل بين الشجيرات من الحر الشديد ولم يكن يختبئ) على حد تصريح مسؤول الإدارة فلي على ذلك التصريح مآخذ شديدة إلا أن الحقيقة أن هذا الحادث أدى إلى جرح أطفال وكسر رجل أحدهم . ولم يكن الخبر هو دافعي للكتابة وإنما ما جاء بين طيات الخبر من تتمة لتصريح مسؤول إدارة المرور بأن:
اختباء شرطي المرور بغرض تصوير المخالفة يعتبر مخالفاً للقانون وسيعاقب من يقوم بذلك
شكرا يا سيدي على المعلومة والتي والله قد فاجأتني ولم أكن أعلم بها
شكرا يا سيدي أنك قد برأت ساحة الإدارة من تلك الأفعال حتى استطيع الكتابة براحتي
نعم يا سيدي : من فمك أدينهم .... وعليه .. فأسمح لي بالآتي .
سيدي المسؤول : أعلم أن كل من حمل كاميرا تصوير من شرطة المرور يقوم بالاختباء بل وبالإبداع في أساليب الاختباء بدءا من الاختباء وراء حائط جسر على طريق السفر إلى الاختباء وراء الشجر إلى الاختباء عبر الانبطاح بوضعية (الرمي منبطحاً) بين الحشائش إلى التغيير الدوري لأماكن الاختباء إلى والقائمة تطول.
وقد قرأت أنك من مدينة حماه فقد كان الحادث المؤسف قد تم هناك .
فاخرج أن شئت بسيارة مدنية (بلوحات عادية) متخليا عن بزتك الشرطية بنزهة إلى مدينة حمص مارا بجسر الرستن والذي كنت من أكثر المتابعين لأخبار حوادثه بعد تطبيق النظام المروري الجديد بسبب تغيير السرعات نزولا بشكل سريع وغير منطقي والذي تم تدارك بعضه لاحقا برفع الحدود الدنيا للسرعة هناك من 60 إلى 80 (رغم ثبات موقع المصور بعد أخر لوحة بـ 5 أمتار وتحت فيء الجسر مباشرة) ..
.. وأكمل طريقك ضمن شوارع حمص الجميلة لتجد على طريق أوتوسترا دمشق وقبل أن تخرج من مدينة حمص (صاحب الوجه البشوش) أكثر مصور باسم الثغر في العالم بانتظارك بين دوار النصب التذكاري ودوار تدمر ..
أكمل طريقك , فإن لاحظت عند بدء نزول الثنايا بأن السيارات الصاعدة في الجهة المقابلة لك تنير لك بأنوارها في عز النهار فأعلم انه (سيم) بين الناس بأن الشرطي حامل الكاميرا (مختبأ) على مسافة قريبة منك .
فإن وصلت دمشق فاسأل اللجنة المسؤولة هناك عن اللوائح المنظمة للمخالفات وتسعيرها ولن أتكلم عن أسعار المخالفات والتي بات الناس يدفعونها بيسر وسهولة عندما يقارنوها بالبلاء الأعظم وهو (تثقيب الشهادة) , عجبا لهكذا عقوبة !!
أعلم أن بعض الدول الأوروبية تستخدم مثل هذا النظام ولن أدخل هنا بمقارنة خاسرة تسيء لبلدي لا قدر الله ولكن هذه العقوبة هي بالحقيقة سبب الفرامل الشديدة على الاوتوسترادات وطرق السفر العامة و أخرها داخل المدن مثل ما حصل في الحادث المذكور أعلاه وليس الخوف من المخالفة هو المسبب ....
أي إنسان حتى الملتزم بالقوانين لا تكون عيناه طوال الوقت ملتصقة بعداد السرعة وعندما يظهر الشرطي فجأة بوجهه حاملا للكاميرا فإن أول ردة فعل مهما كان السائق ماهراً وملتزماً تكون بالفراملة والنظر مباشرة لعداد السرعة خوفاً من تثقيب الشهادة أولاً ومن المخالفة المادية العالية جداً ثانياً.
سيدي مسؤول المرور .. أنت مسؤولُ أمام نفسك أولا وأمامنا ثانيا وأمام القيادة ثالثاً عن أي حق أو خرق يتم تحت إمرتك بكلتا الحالتين : العلم أو عدمه.
وعليه فأني أسألك : كيف علمت أن الشرطي كان يستظل ؟؟؟ هل كلام الشرطي وحده يعتبر دليلاً ؟ وإن كان كذلك أفلا يؤخذ كلام السائق أيضاً كدليل كونه مواطن سوري متساو في الحقوق والواجبات مع لشرطي ؟؟ وعليه فإن كلمة كل منهما تؤخذ ضد الآخر ويجب عندها فتح تحقيق من قبلكم لمعرفة الحقيقة ؟؟؟
أما عن نفسي فأقول عشت في المملكة العربية السعودية قرابة 12 عاما لم أخالف فيها قط ولا حتى مرة .
وكنت أقود السيارة حتى قبل اغترابي بثلاث سنوات من سوريا الحبيبة ومنذ ذلك الحين وحتى وقتنا هذا وخلال كل فترات إجازاتي لم أخالف حتى ولو مجرد مخالفة واحدة في بلدي واستطيع القول عن نفسي إني سائق ماهر, وملتزم لكني مع ذلك , ومع بداية تطبيق نظام الكاميرات في سوريا لم أمر على شرطي واحد بكاميرا دون أن يفاجئني ..
ولم يفاجئني شرطي بكاميرا إلا وكانت ردة فعلي الفرامل والنظر للسرعة رغم علمي بتقيدي بها فانظر بنفسك وقم بحساباتك على باقي المواطنين المسجلين لدى إدارة المرور واضربهم بعدد عناصر الشرطة في المدينة الواحدة لتعلم كم عدد الفرملة التي تنقذنا العناية الإلهية من تبعاتها يومياً في طرقات بلادنا .. ودمتم .
معن سلقيني