news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
العمران والتنمية العمرانية في اللاذقية بين الواقع والمرتجي ... بقلم : نبيل علي صالح

 لماذا لم تتمكن المؤسسات التنفيذية الرسمية المعنية حتى الآن من تصديق المخطط التنظيمي لمدينة سياحية وفريدة ومتميزة كمدينة اللاذقية؟ تصديق أي مخطط كان، فآخر مخطط كان قد صدر في العام 1974م بحسب ما أفدنا به، ولم يتم بعده إصدار أي مخطط حتى العام 2008م، كما لم يتم تصديق هذا الأخير حتى تاريخه لأسباب بعضها معروف وأغلبها مجهول؟!!!!.


   وقد ساهم هذا التأخير بصورة كبيرة في انتشار ظواهر عمرانية شاذة كمناطق المخالفات حتى بتنا نشاهد مدن وضواحي مخالفات كاملة ليس لها أية قيود رسمية لدى الدولة سوى فواتير الماء والكهرباء، وبعض الضرائب المالية والعقارية البسيطة، أما ضرائب التراخيص البلدية والهندسية وغيرها، فلا تجد طريقاً أبداً إلى الخزينة..

 

    إذاً، دفع تأخير إصدار المخطط الناس –من أصحاب العقارات والأراضي الخاضعة بمعظمها للمخطط التنظيمي أو لقوانين استملاك أخرى- إلى أن تقوم هي بنفسها بعملية التنظيم العمراني لتلك العقارات، وكأنه لا وجود للدولة والقانون والمؤسسات الرسمية، وكأنه لا يوجد شيء إسمه "قانون المخالفات"...  فانطلقت الأبنية المخالفة المبنية بمعظمها على قياسات ومعايير ومواصفات غير صحيحة فنياً وهندسياً، لتعانق عنان السماء دون الرجوع للدولة ودون استئذانها والحصول على موافقتها المطلوبة في حالة عجيبة غريبة فريدة ليس لها مثيل في العالم كله..

 

    لقد عقّد هذا الوضع قضية السكن أكثر فأكثر، انتشرت معه مدن مخالفات بأكملها كما قلنا.. والموضوع ليس فيه أدنى عناء، إّ يكفي فقط وجود متعهد صغير أو كبير مع بعض المال وبعض العلاقات المصلحية النفعية، وبعض المواصفات النفسية فيه، للبدء بأي مشروع سكني مخالف وفي أي بقعة كانت حتى على أراضي تابعة للدولة ومسجلة عقارياً بإسم بعض مؤسساتها.

 

    لقد بات الناس يعتقدون ضمناً أن هناك إرادة "قصدية" لدى بعض الجهات الإدارية الرسمية التنفيذية لعدم إنجاز "قضية المخطط"، يعني تصديق المخطط التنظيمي لمدينة اللاذقية الصادر 2008م، وهم يعتقدون بأن سبب التأخر لا يعود إلى وجود اعتراضات كثيرة من قبل الناس، وبعض فعاليات المجتمع المحلي، إذ كان بإمكان تلك الجهات الرسمية البت بها فوراً دونما تأخير، والأمر لا يستأهل تأخر أكثر من ست سنوات كاملة نامت خلالها مخططات التصديق في أدراج المكاتب الرسمية، وعلى رفوف المكتبات والخزائن الأرشيفية..

 

 بل ويظنون بأن هناك إرادة متعمدة ومقصودة لعدم التصديق، لصلة الأمر بقضية حساسة وخطيرة كقضية المخالفات التي باتت ملفاً سرطانياً ساخناً بامتياز، حيث أنه خلال الفترة التي تأخر فيها المخطط التنظيمي عن إجراءات وآليات التصديق الرسمي بنيت (خلال تلك الفترة) عشرات آلاف الشقق السكنية، وصلت إلى حدود أنها أصبحت مدن مخالفات "جديدة" أكبر من المدينة الأم ذاتها.. (فيما لو جمعنا عدد الوحدات السكنية المبنية بطريقة المخالفات).

 

    هذه المحاضر والسكنيات العشوائية المخالفة التي تسبب فساد وسوء ادارة البلديات في انتشارها واتساعها، أدخلت مئات الملايين وربما مليارات من الليرات السورية في جيوب وحسابات عدد قليل من أصحاب المواقع ذات الصلة بموضوع السكن والبلديات والمخالفات، كان من المفترض أن تصب وتدخل في صندوق الخزينة العامة على شكل استحقاقات ضريبية وغيرها يمكن استثمارها في "عمرنة" المدينة.. فضلاً عن عدم معرفة الجهات الرسمية بنوعية البناء المخالف، وطبيعة أساساته وقواعده، ومتانته، وماهية المواد الاساسية المستخدمة فيه، وإمكانية تحمله للزلازل من عدمه، فضلاً ايضا عن التشويه المعماري والعمراني للمدينة.. يعني مشاكل مالية وعمرانية ومجتمعية هائلة خلقتها المخالفات، تراكمت وستتراكم فوق بعضها البعض.. و"حلها اذا فيك تحله".

 

    ولا شك بأن المواطن المخالف في بنائه العشوائي، يتحمل مسؤولية ما في هذا المجال بطبيعة الحال، لكنها لا تقاس أبداً بالمسؤولية الكبيرة المترتبة على المؤسسات الرسمية المعنية التي تأخرت في تصديق المخطط، ولم تقدم للناس بدائل واقعية حقيقية لعدم تصديق المخطط... حتى الأراضي لم توزع على الجمعيات السكنية منذ سنوات طويلة.. يعني حالة من التعقيد والإغلاق من كل الجهات، بلا حلول جدية وقانونية صحيحة، وإلى متى ينتظر المواطن، وهو يرى أرضه أمام عينه، ولا يستطيع استثمارها والانتفاع بها في حياته، والعودة ببعض الفوائد عليه وعلى أولاده وعياله الذين كبروا وأصبحوا شباباً وشابات يبحثون عن مسكن وفضاء مكاني للعيش.... خاصة في ظل ظروفنا الراهنة؟!!!!..

 

 وقد يسأل الكثيرون عن سبب تركيزنا الدائم، نحن ككتاب وصحافيين، على المخطط التنظيمي؟! ونجيب بأن المخطط هو لب وجوهر أية عملية تنمية عمرانية وتطور حضاري مدني لأي بلد.. وهو يدخل في العمق ضمن استراتيجية البلد الكبرى حتى على الصعيد السياسي الوطني العام، أي على مستوى أهمية وعي المواطن وشعوره الحي والمنتج تجاه الدولة، واحترامه لها، وتقديرها لواجبه ومسؤولياته تجاهها، خاصة عندما يرى الاهتمام الحقيقي الميداني، والنتائج الصحيحة أمامه وبين يديه وأمام ناظريه... وليس مجرد وعود وأمنيات وذرائع تغرق هذا المواطن في بحور مياهها (غير العذبة) فترات زمنية طويلة، وقلّ أن تتحقق –إذا تحقق بعضها- إلا بعد عناء طويل وتكاليف كبيرة تثقل خزينة الدولة، وتزيد عليها أعباء مالية إضافية نتيجة الارتكابات والفساد والأخطاء والتأخير والإهمال والخلل الإداري الفاضح.

 

 وهذه مسألة خطيرة ومهمة للغاية.. وهي حسن أداء المسؤول لعمله ومناقبيته واحترامه للأنظمة والقوانين، ووجود نتائج ميدانية (إحصائيات وبيانات وأرقام حقيقية) لأعماله، هذا كله يساهم في تحسين صورة الدولة ككل في عيون ناسها ومجتمعها وشعبها كله.. ويبدو لي أن كثيراً من مسؤولينا تغيب عنهم هذه النقطة للأسف.. ولابد من إجراء إداري صارم ما، لبقاء تلك النقطة حية في الأذهان.. لأن المسؤول المكلّف بوظيفة ما هو في النهاية ممثلٌ للجهات الأعلى في هذا الموقع، والصورة ستنعكس في الحالتين السالبة أو الموجبة.. فلماذا لا يهتم –هذا المسؤول أو ذاك- بعمله، ويضبط إيقاع تصرفاته، ويعمل وينتج ويجعلها أعمالاً موجبة على الدوام!!!...

 

    إذاً، العقار والسكن بالمعايير والشروط الفنية والهندسية والصحية والبيئية الصحيحة له، هو باب الاستقرار والراحة النفسية وتحقق شرط الأمن والأمان الفردي والمجتمعي، وهذه نقطة ربما غائبة كلياً عن أذهان كثير من مسؤولينا –خاصة التنفيذيين منهم- للأسف الشديد، ويجب أن يحاسبوا من قبل الجهات القانونية والرقابية، الأن أو غداً، على عدم اكتراثهم بها، أو عدم إيلائها الأهمية المطلوبة، خصوصاً في ظروفنا الحرجة والحساسة الحالية..

 

 

    وعندما تدخل المدن الحديثة المنظمة المخطط لها مسبقاً بصورة علمية صحيحة، وتعاين شوارعها الواسعة النظيفة، ومبانيها وعماراتها الجميلة المنظمة والمخدّمة معيشياً وصحياً وبيئياً، وترى الحدائق والأشجار، والجسور، والمطاعم والمولات ومواقع النزهة والراحة والاستجمام وووالخ.. كلٌ في نظام متكامل -صحياً وبيئياً- يتحركون، تشعر بالسعادة والبهجة والرضا... أما مدينتنا اللاذقية الموغلة في العمق التاريخي والحضاري الإنساني، لا تزال تعاني –نقولها بكل مرارة وأسى- من خلل كبير وهائل على مستوى التنمية العمرانية السكانية..

 

 فالمدينة القديمة المعروفة الى انحسار، واللاذقية التقليدية بأحيائها المعروفة، لا زالت كما هي لم تتوسع، ولم ينظر إلى أهمية وضرورة بناء ضواحي جديدة وحديثة عمرانياً بعيدة قليلاً عن المدينة الأم التي استنزفت طاقاتها.. والمرفأ "قاعد" في الداخل على قلب سكان المدينة، منعهم من التمتع والتواصل المباشر مع بحرها الجميل الرائع كما كانوا في السابق.. (تخيلوا أننا كنا في السبعينات من القرن الماضي نجلس في نادي صف الضباط، والبحر تحتنا، والسفن داخلة وخارجة من المرفأ بقربنا!!!).. بما يدفعك للقول بأنه لا يوجد كتل معمارية حديثة رائعة "عليها العين والقيمة" في هذه المدينة (ونحن اليوم في منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة!!)، وبما يجعلك تستنتج أيضاً –باعتبار أنه لا شيء جدي وحقيقي أمامك سوى التنظير والمؤتمرات والوعود والتسويفات والمماطلات...الخ-  بأنه لا يوجد فيها حتى الآن رؤى معمارية مستقبلية حيوية حقيقية للنهوض بواقع المدينة عمرانياً وحضارياً..

 

خذوا مثلاً مشروع سكن الشباب..

 

وهو أضحى موضوعاً يومياً ل"لحكي" الدائم حول معنى الفشل العملي في التعاطي مع القضايا الاسكانية المرتبطة بأهم ما يشغل المواطن وهو البيت والمنزل... فهذا المشروع بات كله تأخير على تأخير فمن متعهد ترسي عليه مناقصة اليوم، ثم تسحب منه الأعمال بعد عدة سنوات، تسلم من جديد لمتعهد خاص أو لمؤسسة قطاع عام بعد أن ترفع الأسعار بنسبة 500 أو 600 بالمائة.. مع أن هذه الشركات أو المؤسسات العامة هي ذاتها عاجزة عن دفع رواتب لعمالها، مثال: شركة البناء والتعمير رسي عليها تعهد بناء عدة محاضر مرحلة ثالثة، حتى اليوم هناك تأخير وتأخير على التأخير!! وكله مبرر بمحاضر ولجان وغيره.

 

إذاً، هذا نموذج لمشروع سكني كبير، حظي باهتمام السيد الرئيس شخصياً، وزاره سابقاً، وأكد على ضرورة الانتهاء منه، وتسليم الناس والمواطنين شققهم كاملة مكملة بالوقت المناسب، ولكن للأسف لا يزال المشروع في حالة من حالات العجز والاستعصاء والتأخر تحت ذرائع وأسباب ومبررات شتى.. هم درسوه بدايةً على أساس بناء محاضر ومباني سكنية مؤلفة من خمس طبقات، ثم عادوا ودرسوه على أساس عشر طبقات، للاستفادة من البقع الخضراء...

 

وهنا نعلق ونقول:  بأنه كان يفترض بهكذا مشروع مهم وحيوي أن يتم له الإعداد والتجهيز بهدوء وروية على غير الصورة السريعة التي "سلق" بها كيفما كان، على طريقة "هاد ايدك والحقني" التي عُمل وجُهز بها... فالأراضي الخضراء الجميلة الواسعة والمعطاءة القريبة من المدينة التي تم استملاكها لصالح هذا المشروع لنفيذ محاضر ومباني سكنية عليها من خمس طبقات عليها، ليست ذات مساحات كبيرة، وفيها إشكالات قانونية وعقارية واستملاكاتها تحتاج لوقت زمني طويل، ثم تم الاتفاق على بناء خمس طبقات فيها خلال المرحلة الأولى دونما التفكير بالبساط الأخضر المتآكل بصورة مذهلة.. يعني ما هي المشكلة لو بنيت 15 أو 20 طبقة مع مساحات خضراء ومباني ومرافق للخدمات العامة وحدائق واسعة ووالخ؟..

 

 ثم لماذا يتم البدء بأي مشروع من دون إزالة العوائق الإدارية والعقارية والزراعية والملكية منه؟.. المشكلة أنهم يبدؤون بالمشروع، ثم تنطلق مشاكله، وتشتعل أزماته وإشكالاته، بصورة أسرع من عملية بنائه، بما يؤدي إلى توقفه أو تباطؤه، وعندما نسأل: لما حدث التأخير؟، يتذرعون لك بوجود العوائق الإدارية والعراقيل الميدانية والتعقيدات والتشابكات مع المؤسسات الرسمية الأخرى!!.. "طيب" يا شباب، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا أنتم قاعدون في مواقعكم، وماذا تفعلون؟! هل فقط مطلوب منكم كمسؤولين التوقيع على أوراق ومستندات لبيان أسباب التأخير ورفعها للجهات المختصة بلا جدية ولا مسؤولية مباشرة في المتابعة الميدانية.. يعني هل مصالح الناس لا تهمكم؟ لا نظن ذلك، (فأنتم في النهاية أبناء عالم وناس أوادم وطيبين، والصالح العام أكيد يهمكم بلا شعارات ولا تنظيرات)..

 

ثم حدوث التأخير في تسليم الشقق، على حساب من سيكون؟ والدولة تطلب من الناس الذي وقعوا عقوداً سابقة معها زيادة في الدفعات عما اتفق عليه!!.. هذا التأخير من يتحمل مسؤوليته؟!!.. لماذا تضييع المسؤوليات؟!!.. خاصة وأنه تم تغيير 4 أو 5 مدراء لفرع المؤسسة باللاذقية خلال فترة هذا السكن من 2002 وحتى 2014.. ولم نسمع بمحاسبة أو مساءلة أحد... ثم: لماذا يجب أن يحمّل المواطن –في النهاية- لوحده وزر وثمن ترهّل وتخلخل وفساد كثير من مؤسساتنا التنفيذية؟!!..

 

هل المواطن سعيد ومبسوط لتأخر استلامه لشقته السكنية وحلم عمره؟.. يعني أنا صار لي حوالي 12 سنة مسجل على هذا السكن العتيد، وإلى الآن لم أستلم، ولا أدري أين وكيف ومتى؟!!!.. فقط الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني أدفع بانتظام ودونما تأخير أقساطاً شهرية منذ 12 سنة ونصف وحتى اليوم!!.؟. فمتى ستسلّمون الشقق الباقية إن كنتم صادقين!!!..

 

    لقد كتبنا كثيراً عن هذا الموضوع منذ سنوات عديدة، ونكرر الحديث والتحقيق الصحفي عنها بين فينة وأخرى للتذكير، فلعل الذكرى تنفع........ وأنا أعترف بأنني لم أحقق شيئاً يذكر في هذه القضية، ولم أحصل على شروحات مقنعة وعلمية وموضوعية ذات قيمة سوى "إنشاء الله، وحسبنا الله، وخيراً إنشاء الله، وووالخ"..

 

 

كما لم نتلق حتى اللحظة من المعنيين المباشرين بموضوع المخطط التنظيمي، أية إجابات حقيقية مقنعة وقاطعة وحاسمة، بل كل ما هنالك، مجرد أمنيات ووعود وتخمينات، وأماني مستقبلية، ورمي للمشاكل نحو الأمام.. جرياً على عادة كثير من مسؤولينا في مواقع القرار التنفيذي.

 

كاتب وباحث سوري 

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianewss

 

2014-07-01
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)