طالما تساءلت مع نفسي عن جدوى الانجراف وراء تيار الحداثة و الذي اصبح اشبه بموضة العصر بين الشباب المولعين بمخالفة كل ما هو عادات قديمة بالية حسب ظنهم هذا الجري غير المتزن تم و يتم دونما قيم و دونما ارث حضاري و بقلب متعلق بماض يريد ان يتهرب منه و من قيمه و من ارثه و من عاداته و من تقاليده و حتى دونما قدرة على تمييز الغث و السمين في ما هو حداثي معاصر منطقي علمي مقبول.
لا اريد ان انقض الحداثة التي يرمون اليها بكل اركانها و مسبباتها و اعماقها بل يجب علي كمفكر في هذا الامر ان اتحرى الدقة و الموضوعية التي اطلب منهم ان يتحلوا بها ففي ما يرمون اليه خير كثير لو ضبط بضوابط العرف الاجتماعي القويم المقبول و لو تم بشخصية منفتحة متقبلة لماضيها مدركة لابعاد شخصيتها الحضارية التي بنيت على مدار اّلاف السنين
حداثة التغيير و التغيير الحضاري هي اهداف لكل انسان يريد ان يخرج بمجتمعه من ظلمة طال رقادها على قلوبنا حتى اصبحت تلامس شغاف جيوبنا و عمق فكرنا و حتى ان هذا المجتمع تحول لا أقرب ما يكون الى غابة يأكل فيها القوي الضعيف دونما مراعاة لمشاعر الاّخر و دونما النظر الى خوف او وجل من أي وازع و رقيب
و لكن هل التغيير لا بد ان يكون مستوردا استيرادا تاما و مطابقا لما تم في الخارج , هل تجربتنا الحضارية و الانسانية و ارثنا العتيد من دين قويم و شريعة سمحة و دستور قراّني مجيد لا تسمح لنا بتجاوز ما هو حاصل الاّن هل حقا لا نملك كمجتمع اسلامي القدرة على التفكير في ايامنا الماضية التليدة الغابرة ؟
هل اختفت كل نواميس الدنيا و لم يبق الا ناموس خلع البشر من دينهم و مجتمعهم و عاداتهم ؟
و هل لا بد لي كي اكون حداثيا بمعناهم الذي يرمون اليه ان لا اقر بوجود الله الذي احسن كل شيء صنعه و ان البس ما هو غريب عن مجتمعي و ان اتحدث بمنطق الفري مايند و العقل المنفتح على ملابس و صرعات الغرب و تخبيصاتهم ؟
اسئلة لا اجد لها الا اجابة واحدة و هي النفي و لا ارى في حربهم التي يشنونها على اصحاب الرأي الاّخر بكل لا ديمقراطية و بكل قمع و بكل استبداد فهم أقصد الحداثيون هم الخطباء المفوهون و هم من استطاع ان يعمل عقله اما انا فطالما كنت داعيا الى الفضيلة و الى العفاف و الى القيم التي لن نقوم الا بها فانني رجعي متخلف.
ما اسهل الحديث عن النظريات و ما اصعب تطبيقها يطلبون ان يكون المجتمع حرا و ديمقراطيا و هم يتزعمون تيار القمع و التسلط يطلبون ان تبنى ثقافة الحوار على اسس راسخة و هم لا يرضون ان يستمعوا الى الاّخر و ان اسمعوا فلغاية واحدة فقط لا تتمثل الا بإرادة نقض ايمانه و قمع قدراته
ان كانت تلك هي الحداثة و هذا هو التطور فلا مرحبا و لا اهلا به و ان كان قمع الفكر و تحرير المرأة من ملابسها هو التقدم و الحرية فانا رجعي متخلف ديكتاتوري لا حداثي .
اما ان كانت الحداثة و التطور هي تيار مبني على المصالحة الحقيقية مع الماضي و على استعادة قيمنا الحقيقية المبنية على الصدق و الامانة و الاخلاص و قبول الاّخر و غض النظر و حفظ اللسان و الكرم و الوفاء و المروءة .
و اما ان كانت الحداثة هي تيار مبني على بناء المستقبل على اساس راسخ و قوي علمي يؤمن بالتطور العلمي و بالحرية الفكرية و بالفكر الخلاق المبادر و المتطور فيا مرحبا بهكذا حداثة و لا أسجل انا ضمن تيار الحداثيين الحقيقيين