news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
الشخصية الطاووسية ... بقلم: أنس درويش

ها أنذا أسير مزهوا بنفسي و كأني الأشد ندرة والأكثر قيمة ليس فقط في هذه المدينة المحدودة بل حتى في أقاصي الأرض .يودعني منزلي ومن فيه كملك ، واسير خارجه متبخترا بزهو وتعالٍ مسكونا بشعور ساحق أستطيع أن أحرق به جميع من حولي بأنني لا أخطئ .


نعم أنا الكائن الوحيد الذي لا يخطئ بين جميع الناس ممن حولي وممن ليسوا حولي وهؤلاء الذين هربوا من أمامي لأنهم لا يتحملون نزاهتي وتفوقي وكانوا فيما سبق يخنقونني بعبارات (صداقتهم الكاذبة). وحدي أنا أراقب وأفهم، بوسعي أنا دائماً أن أراقب الناس يخطئون ، فلا ألومهم  أبدا، بل أصمت وأقول لو كنت مكانهم لما ارتكبت ما ارتكبوا من أخطاء لأنني ببساطة لا أخطئ أبدا.

 فجأة أجد نفسي متوحدا في عالم خاص بي ..المعايير فيه مثالية  بل إنها تفصيل وفق الطلب ومختلفة عن معايير البشر .. فهي تلاءم مزاجي الخاص وتقدمي الإنساني ، لا قوانين مقبولة إلا تلك التي من شأنها أن تزيد رفعتي وتؤكد اختلافي وتثبت تمايزي.

 وأنا في عالمي هذا الذي أصنعه بنفسي أعرف أنني لا أنتمي لهؤلاء السائرين بتماثل وترتيب ، يتقدم كل واحد منهم غارقاً في همومه ومشاغله اليومية ، وباجتماع هؤلاء الأشخاص بأعداد لا تحصى وتجمع مشكلاتهم ومشاغلهم ينشأ ركب عارم يتراكض دون هوادة نحو الأمام. أريدهم جميعا أن يتقدموا نحو الأمام وفق معاييري ونظامي الخاص ، أريدهم أن يتقدموا على نحو عنيف وصارم تحكمه قوانين مجنونة لا تنظمه بل تزيده توتراً وعشوائية.

 في مملكتي لا مجال للتخلف، ولا انتظار ، ولا رحمة ولا فرص عديدة. وحدي أنا أقف وسأظل دوما واقفا في مستوى أعلى ، أراقب مشفقا، وأنا أعرف في قرارة نفسي أن ذلك التكوين المختلط هو الحياة الحقيقية   العادية ، المملة التي لا جديد فيها إلا عالمي ، فعالمي أنا هو عالم خاص ومتميز.هو عالم فردي ومتفرد  أشكل فيه وحدي بداية الأمور ومرتجا ها، كل ما يحدث فيه  يتلاءم مع ذاتي  واحتياجاتي، والكل يسير وفق خططي وأحلامي وأوهامي ، نعم كل شيء  ناتج فيه عن أوامري والكل يتعثر فقط بحواجز أصممها أنا بنفسي،  نعم كل شيء يمضي ببركتي، في نهاية المطاف أصل أنا إلى غاياتي، يوصلني الجميع إلى ما أحب أنا وأشتهي، ومن ثم يختفي الجميع وربما لا يختفي أحد ولكنني لا أريد أن أرى أحدا سوى نفسي أو قلة يصفقون لي .

قد أتحدث مع بعض الناس فلا يهمني غير ما أقول أنا ، أسألهم دوما عن أرائهم إما لأقول لهم أنهم على غلط وأعريهم أمام أخطائهم وأنهم بلا ريش ، أولا أنتظر إجابة فأنا أعرف بماذا يتفوهون ، وكيف يفكرون   وأعرف أنني أتفوق عليهم بدرجات كثيرة..حتى في مجالات حياتية وعملية لا أتقنها ولم أجربها ولن أجربها يوما ..فأنا واثق تماماً بقدرتي على منافسة أي كان وكائنا من كان في كل شيء وفي أي شيء فقط لو أتيح لي بعض الوقت والمران نعم أنا أستطيع التغلب على الجميع ،ولهذا لا أحب المنافسة ، أعرف النهاية الطبيعية ، ولا أحتاج للمزيد من المديح والنجاح .

المونولوج اليومي لحياتي " أنا ، أنا ، أنا " يمتد ذلك منذ أن أصحو صباحاً إلى أن يأخذني النوم فأنا عندما أستفيق أفيق من حلمي بنفسي وأنام لأحلم بنفسي. من نفسي فقط  أتعلم منها وبها اسمو ومن أجلها أتعالي على أي نفس أخرى من حولي.

 حتى الطبيعة تتودد لسيادتي ، فالمطر يهطل ليشفي  عطشي، والثلج ينزل ليطهر قلوب الخطاة من حولي وبحقي، أما الشمس فتشرق لتضيء دروبي ،والغيم يتحرك ليظلل سمائي ، أما والبحر فيسعد بوجودي وهو يرسل أمواجه لتصافح أقدامي البعيدة عنه فأنا أخاف من أوساخه ، أما الليل فينافس النهار على الإحاطة بأماكن تواجدي، والقمر لا يتواجد إلا حيث أنا برفقة حورية عذراء لا تشبه أي امرأة ليس لجمالها المطلق بل لأنها برفقتي.

 نعم هذا أنا ، أنا ذاك الإنسان الذي لا يشبه أحد فأنا الأمل والحاضر والماضي والمستقبل، نعم وأنا فعلا أتعجب كيف تحل المسائل بعيداً عن يدي، كيف يحاول هؤلاء الذين من حولي تحسين أوضاعهم من غير مشورتي، كيف تقبل ضمائرهم أن يروا من هو أجمل مني وأكثر وجاهة من مقامي، يا الله حتى الجرائد، لا أعلم أي خطأ ترتكبه هذي الجرائد ، وكيف تكتب عقول العاملين فيها شيئا غير أخباري ، ويفاجئني أكثر كم الغباء العجيب الذي يحمله هؤلاء الناس الذين لا يقبلون العمل لمصلحتي .

2010-12-20
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)