أريد أن أكتب عنه بكل صراحة... وكيف لا وأنا لازلت أحلم به وأفكر فيه... أريد أن أحبه من أعماقي وبكل جنون، ويبادلني هو الشعور فلم أعرف من هو أعنف منه حباً ولا أشد ضراوة في العشق... كريم؟!! بل هو الكرم بحد ذاته...
معطاء؟!!! بالطبع وخصوصاً مع أهله ومن يحبونه، غضوب؟! أجل وخاصة حينما يعتكر مزاجه، لكن حينما يصفو ويبش في وجهك فلابد لك أن تنسى سائر همومك وأحزانك... أحبه.. أحب هيبته واتزانه كما أحب مجونه وجنونه حينما يغضب، وأسأل نفسي دوماً كيف استطاع أن يجمع بين هذين النقيضين؟
ومع ذلك أحبه بالرغم من أنني لا أعرف حتى الآن متى يمكن أن يثور علي ومتى يمكن أن يصغي لهمومي وأحزاني بصبر وأناة ... عرفته جليلاً عظيماً رحب الصدر، ومهما فعل أو سمعت عن غدره من الآخرين فلن يقلل ذلك من شأنه في عيني وسأبقى على حبه وسأحافظ على العهد، فأنا إن نسيت فلن أنسى ليالي الصيف المقمرة التي قضيتها أمامه وأنا أصغي لأنفاسه وأتحسس عبيره وأتوجس خيفة من هيبته وفي أعماقي تلتهب مشاعر متضاربة من الحب والكره والغيرة والخشية، وهذا برأيي أمر طبيعي لكل محب يرنو إلى محبوبه من بعيد دون أن يجرؤ على مخاطبته علناً وبكل صراحة..
منذ متى وأنا بعيدة عنه؟ منذ أول الدهر أو ربما أكثر.. لكن حينما أقترب منه أشعر وكأنني خلقت معه منذ الأزل ولن يتمكن أحد ما أو شيء ما أن يفرق بيننا، فأنا خلقت من أجله وهو مخلوق من أجلي وكأننا باجتماعنا نتحول إلى سنة من سنن هذا الكون العجيب... مشكلتي معه أنني لا أستطيع سبر غوره لأنني لازلت أخافه وأخجل أن أبدو سخيفة أمامه... بل هي هيبة حضوره التي تسيطر على المكان وثقته اللامتناهية بكل ما يقول، فأحرم بذلك من لذة الاندماج به والتعبير عن حبي له... بيد أن إخفاء الشيء لا يعني انتفاءه... إن مجرد جلوسي كالمخدرة أمامه الساعات الطوال لأمر حري بفضح قصة حبي المجنونة أمام كل غاد ورائح...
آه كم يشبهني في كل شيء لدرجة مخيفة تجعلني أصاب بالذعر، فقد علمونا في المدرسة أن القطبان المتماثلان للمغناطيس يتنافران أما المتعاكسان فيتجاذبان.. لكن هذا لا ينطبق علينا – أنا وهو- فبالرغم من أوجه الشبه الكثيرة التي تجمع بيننا إلا أن مجرد معرفتي بوجوده بالقرب مني تجعلني أركض نحوه وأنا لا ألوي على شيء مخلفة ورائي الجميع.. أمي أبي إخوتي وسائر أصدقائي وأحبتي ودون أن أشعر بأدنى إحساس بالذنب أو الحرج لأنهم حتى ولو أصدقتهم القول بشأن حقيقة مشاعري يعلمون تماماً كم أحبه وأتوق لرؤياه فأنا قد عبرت عن إعجابي به غير مرة أمامهم وهذا وحده كفيل بأن يجعلهم يتفهمون حقيقة مشاعري ويقدرون السبب الحقيقي وراء حماقاتي.
والآن مضى من عمري سنتان قضيتهما بانتظاره ودون أن أراه وأنا لازلت أحلم بتلك اللحظة التي تجمعني به... أقول لنفسي أحياناً: لماذا لا تحاولي أن تكوني إيجابية وتأخذي أنت بزمام المبادرة؟!! فأجيبني قائلة: كلا.. لا أريد لأحد أن يعلم أني قد تهافت عليه وطلبت وده... ثم كيف لي أن أضمن أنه لن يثور علي إن قمت بذلك... لا... سأدع الظروف لتحكم وسأنتظره اليوم وغداً وبعد غد وبعد بعد غد إلى أن تستقر أموره ويصفو كما عهدته...
يكفيني فقط رمال حبه التي وخزت قدمي حينما سرت فوقها غير مرة معانقة أمواجه... تكفيني صلابة صخوره التي نحتها رقيق موجه بإزميل من الزبد على صفحة الزمان ليستيقظ بعد دهور فيجد قسمات الشاطئ قد تغيرت في غفلة من الطبيعة والبشر.... لم أعرف معنى السرمدية والخلود إلى أن التقيته فوق إحدى الصخور، لم أدرك معنى الجبروت والتكبر إلا حينما أرغى وأزبد معلناً بدء النوء، لم أحلم بالحب الحقيقي إلا حينما تعانق هو مع السماء فأتى المطر ثمرة لهذا العناق الظامئ الذي لا يعرف للارتواء سبيلاً.
لم أفتش عن المعنى الحقيقي للعنفوان والكبرياء إلا حينما ألقت الشمس بقايا أشعتها الذهبية الذابلة فوق سطحه فأسرعت أمواجه الغجرية المتلاطمة لتمسح عن سطحه غبار الذهب الذي تأبى لنفسها أن تتهالك عليه فاحمرت الشمس خجلاً وانسدلت بارتباك فوق خط المغيب... أجل إنه البحر.. ذلك الصديق الذي لم يخذلني حتى الآن وأنا أدفن أحزاني في رماله وسأبقى على حبه إلى أن تطويني صفحة الزمان.
إهداء للأخت المبدعة "طرطوسية" التي يثير اسمها داخلي جميع هذه الأحاسيس الهاجعة.