news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
ذات مساء ضاقت الدنيا به .... بقلم : أمير ماجد

ذات مساء ضاقت الدنيا به ،
مشى الرجل مثقلا بالهموم التي أتعبت رأسه قبل كتفيه ، في شوارع مترامية على أطراف المدينة حيث البيوت تبحث لها عن مساحة تقترب من حياة المدينة.


استرعى انتباهه شابا يتمايل في مشيته يحمل على ظهره سلة كبيرة.
تسائل الرجل عن هذا الحمل الذي أضنى ذاك الشاب متصبب العرق ، فتارة يمشي متمايلا وتارة يستند الى جذع شجرة وأخرى الى جدار طيني.

تفاصيل لم تترك للرجل مجالا للتردد في المشي وراء الشاب.
أسّر في صمته متسائلا عن الفرق بين حمله الثقيل الذي أتعبه ، وبين حمل ذاك الشاب متعرج الخطى..


يبدو أن حمله ثقيلا..؟
كان الله في عونه ..!!

ضاقت الشوارع مخلفة وراءها حباباً من العرق المتساقط
وصلا الى نهاية الشارع حيث الباب معلنا نهاية مشور التعب

أنزل الشاب حمله ووضعه بتأنٍ ورويةٍ على الأرض
صوت ناعم رقيق انساب من بين المساحات الضيقة في سلة الشاب

في ذلك المكان الضيق كان كل شيء يبدو باعثاً على الغرابة ، وكانت أشعة النور التي تنسرب من خلال الثقوب الضيقة لا تلبث أن تتلاشى سريعاً .وكان الرجل منهمكا في البحث عن شيء ما كي ليبصر ماوراءه حملاً مضنياً.
انحنى الشاب مدخلا رأسه في السلة ثم أعاد لقوامه الاستقامة وأدار أكرة الباب

ارتسمت في عيني الرجل صورة لحجرة صغيرة قابعة بين الشجيرات ، كان باب الحجرة مفتوحا ، والسكون يخيم على الآذان
أحبُّ الفراغ، والسيرَ فيه، كأنّه الطرقُ موبوءةً بالغامضِ السحيق .. بالصمتِ المعلّق .. يتنقّلُ أمام عيناه كالدليل .. أحبَّ مجالسةَ الشاب بين الشجيرات ليتعرف على الصوت القادم من السلة
 


كان الباب الصغير مواربا ..
كنت أتلذذ وأنا أسمع صريره كلما انفتح أو انغلق ..
كنت أعلم ــ ولست الوحيد ــ أن هذا الصرير يعني أن الحقيقة دخلت البيت الصغير أو خرجت منه ..

 


صريره اللذيذ أجبرني على التحديق مطولا ..
التفت الشاب الى باب البيت فوجد الرجل محدقا باتجاهه
حين مدَّ كفّه؛ اتسعت عيناه .. صارتا بحيرتين مع سربي حمام .. ولمّا ارتخت؛ كانت لوحةَ من حقبة الإغريق أعادها الزمان ..
 


لم تتوجعْ ... لم تئنْ ... صمدت عيناه عندما رأت عجوزا بين ذراعي شجرة امتدت اغصانها وتشابكت لاحتضان تلك العجوز
مساء الخير يابني.. قالت العجوز
 


ابتسم الرجل لرد التحية .. لكن الصمت غيب الكلام .. وراح اللسان يدفع بالكلمات من خلف الشفاه المرتجفة
ارتسمت في ذاكرته صورة لقبر أبيه الساكن في غيمٍ بعيد، حيث مناجاةَ الشواهدِ، وهي تهتزُّ، والترابَ الشوكيّ يخبيءُ الزمان، وتدورُ عيناه، لعلّ سرّا يباح، خبرا يمطرُ بجديد ..
 


راحت تحرك برأسها الجميل الرائع المثقل بالأوجاع والهموم وتخط على بريق عيناه فرحة تتدلى من شفتيها المتشققتين ،
وعندما وقف ليخرج من الباب، أبت أن يرحل وحدقت في وجهه بعتب وحيرة وخاطبته بصوت حزين ،لم يسمع مثله من قبل.
 


ضحكت العجوز ثم بكت وهي تبثّ الرجل شكواها من حال ابنها الذي يستبد به التعب منذ شهور ويلتزم الصمت ويمضي بقربها في المنزل ساعات النهار والليل كلها ، وقد أعيتها الحيل للتفريج عنه وانتشاله من هذه الحال.
منذ البداية حبا على أربعٍ ... وعلى أربعٍ جثا ... عند خطِّ النهاية .. التفت .. فقط كان كمن ينفّذُ التفاتة!

الى أين ..؟
الشجرةُ الواقفةُ فوق الرابية .. ليست حقيقية .. أغصانها تنفردُ ... ثمَّ تنثني كأذرعٍ آدميّة .. الناسُ .. في النهارِ يهللون لعروضِها .. ووحدي أنا .. أقضي الليل في حجرِها ... نبكي سويّا!



https://www.facebook.com/you.write.syrianews

2015-06-27
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)