إن الحديث عن أن المانيا قد قررت الآن فقط استقبال اللاجئين السوريين هو كلام غير دقيق ولا يأخذ بالاعتبار تجربة ألمانيا مع اللاجئين السوريين منذ بدء الأزمة في سورية. فمنذ بداية موجة تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، كانت ألمانيا من أكثر البلدان تهاوناًً في قبول اللاجئين السوريين وقد استضافت حتى الآن العدد الأكبر منهم في اوروبا.
أضف إلى ذلك، بأن ألمانيا من الدول الاوروبية القليلة التي استمرت في منح تأشيرة دخول لكل السوريين الراغبين في الدراسة في ألمانيا. ليس هذا فحسب بل إنها حتى فترة قريبة كانت مستمرة في منح فيز للسوريين تحت مسمى "فيزا للبحث عن عمل" (على الاقل لصديقين اعرفهما بشكل شخصي). وذلك كله حدث ويحدث رغم أن من الواضح والجلي بأن من يدخل ألمانيا من السوريين في الظروف الحالية لن يخرج منها في القريب المنظور.
يجادل البعض بأن ألمانيا تريد من ذلك الاستفادة من "الخبرات والمهارات" السورية وكسبها ل "تدوير" عجلة الاقتصاد الألماني، "النائمة"، ويدعمون رأيهم هذا بالإحصاءات التي تبين تقدم متوسط الاعمار في القارة العجوز وانخفاض معدل المواليد. ومع ذلك، فإن قدرة الاقتصاد الألماني على استيعاب عشرات الالاف من المهاجرين السوريين لا تعني بالضرورة وجود حاجة ملحة لوجودهم. إن البديل الأقرب والأسهل وربما الأفضل بالنسبة لألمانيا هو العمالة الأوروبية، وخاصة من أوروبا الشرقية. فهؤلاء أكثر قابلية للاندماج في المجتمعات الأوروبية المنفحتة سواء من حيث نمط الحياة والمأكل والمشرب...
وأنا على علم تماماً بأن هناك أعداداً كبيرة من
الإسبان، على سبيل المثال، تهاجر حالياً إلى ألمانيا (وبريطانيا) بهدف العمل
والدراسة، كأحد تداعيات الأزمة الخانفة التي ضربت البلد. وأذكر هنا أنه عند انضمام
بولونيا للاتحاد الاوروبي تدفق عشرات الآلاف من البولونين إلى بريطانيا وحدها بحثاً
عن العمل (بالإضافة إلى تدفقهم إلى كل دول الاتحاد بحيث أصبح وجودهم ظاهرة بارزة).
كما أذكر أنه أَحصي وصول قرابة مئتي الف منهم إلى بريطانيا خلال السنة الاولى وحدها
وهو رقم فاق التوقعات بكثير وأحدث إرباكاً كبيراً لدرجة انه عندما انضمت بلغاريا
ورومانيا للاتحاد وضعت بريطانيا شروطاً صارمة لتقييد مواطنين هذه البلدين فيما
يتعلق بالاقامة والعمل تجنباً لتكرار التجربة البولونية.
إن محاولة الحكومة الألمانية النظر لموضوع اللاجئين السوريين بإيجابية لا يمكن
تفسيره كما يروق للبعض بأن ألمانيا ترى في "العمالة" السورية المنتظرة كنزاً ومنقذا
لمستقبل ألمانيا الاقتصادي، خاصة أن هؤلاء سيكلفون الدولة مبالغ طائلة قبل أن
يدخلوا سوق العمل، هذا إن دخلوه أصلاً، لأسباب عديدة أقلها اللغة والفروقات في
أسلوب العمل والتكنولوجيا المستخدمة.. الخ
وبالتالي وفي محاولة لفهم التوجه الألماني يمكننا التفكير في مجموعة من الاحتمالات
والسيناريوهات. أولها هو أن المانيا بلد يملك اقتصاداً وقوياً وتخطيطاً منظماً يسمح
له بأن يقوم بالتوظيف الصحيح للإمكانيات الوافدة وتحويل الخسارة الناتجة عن تكاليف
توطين اللاجئين إلى ربح بتأهيلهم وتحويلهم إلى قوة منتجة، وبالتالي لا يمكننا نفي
فرضية أن ألمانيا ستحاول الاستثمار في اللاجئين ولكنه يبقى استثماراً يحمل الكثير
من المجازفة؛ ولألمانيا تجارب سابقة في ذلك مع الأتراك وغيرهم. السيناريو الاخر
الذي يمكن التفكير به هو أنها محاولة من الحكومة لكسب الرأي العام المصبوغ بصبغة
إنسانية والمؤيد لقضية اللاجئين وفي ذات الوقت إقناع جزء من الرأي العام المعارض أو
المشكك في إيجابية قرار استقبال اللاجئين، بغية تخفيق حدة التوتر وتجنب أن يقوم
هؤلاء بأعمال شغب او حتى بدور ما في التأثير على نتائج انتخابات مستقبلية، وهو آخر
ما يتمناه رجال السياسة. وقد تكون هناك أسباب أخرى أكثر أهمية وخطورة ولكن لا
يمكننا رؤيتها الآن وقد تتكشف في المستقبل.
كأن يساهم هذا التوجه الذي تقوده ألمانيا وتدعو
أوروبا كلها للانخراط فيه في تشجيع السوريين لمغادرة بلادهم استعداداً لسيناريو
قادم يتم فرضه في المنطقة. وربما ليس فقط السوريون هم المستهدفون وإنما أيضاً
أخوانهم الفلسطينين من المقيمين في سوريا، وباعتقادي بأن عدد من ترك سوريا منهم في
الآونة الأخيرة ليس بالقليل. أما ما صرح به رئيس وزراء هنغاريا تعبيراً عن تخوفه من
أسلمة اوروبا فبينما يمكن لمثل هذه التصريحات أن تؤثر على الرأي العام الاوروبي،
فهي تبدو كدعابة خرقاء في أروقة السياسة، فاعترافه بأن اللاجئين لا يريدون البقاء
في بلاده أصلاً لا يمكن فهمه على أن هنغاريا حريصة على اوروبا اكثر من الدول
القائدة للاتحاد الأوروبي بقدر ما هو دليل على انزعاج رئيس الوزراء الهنغاري من
تضرر المصالح الهنغارية، التي قد يكون من ضمنها أن الوافدين الجدد سيجنون أموالاً
وفرص عمل ومكاسب أخرى قد يرى هو بأن مواطني بلده أحق بها من الغريب!
https://www.facebook.com/you.write.syrianews