بمناسبة اقتراب نهاية
العام 2015 ,عدت لمقالي السابق لسنة 2014 , فأدركت كم أن الإنسان قادر على أن يتغير
كثيراً بعام واحدٍ , وماهي التجارب الجديدة التي خضتها واستخلصت منها الدروس
الجديدة التي لم تكن بالحسبان .
مع بداية كل سنة نعاهد أنفسنا على التجديد, التغيير, وربما التطوير, وأنا من هؤلاء
الأشخاص الذين ابتدوا العام بقرارات حاسمة , فلم أفكر بعواقبها أو مرارة تطبيقها في
الواقع الصعب المليء بالصخور و العوائق القاسية , التي عاهدت نفسي على اجتيازها
لوحدي مهما جرى ومهما قست عليّ الظروف .
كانت أهم قراراتي لهذا العام , رحلتي إلى سورية ,
لنيل الشهادة الجامعية , فبعد غياب سنتين ونصف , حان الوقت لإنهاء بعض الأمور
العالقة أمام تخرجي من جامعة دمشق , وهنا ابتدأ المشوار بالكثير من الأمل و الألم .
فمنذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها وطني , غمرتني سعادة لا توصف , وبدأت أتذكر
شوارعها , وبعض من قصصها , وبدأت تجول في خاطري بعض الحكايات القديمة , فلا أجمل من
لحظة الوصول الممزوجة باشتياق لكل تفاصيل الوطن .
وماهي إلا ساعات معدودات , وإذا بي أشتم اللحظات التي قررت بها العودة إلى سورية
مهما كانت الدوافع كبيرة , ووقفت وحدي أمام صخرة كبيرة من الألم , فلا أدري ماذا حل
بي , وكأنه كابوس حقيقي يدفعني للبكاء في كل لحظة أدركت حقيقة الحياة أكثر عندما
غادرت قوقعتي في الخارج ,واكتشفت الحياة عن قرب , فبدأت أشعر وكأنني في ساحة معركة
, و كل من حولي أبدعوا في استخدام اسلحتهم ضدي بكل الطرق المتاحة .
سورية لم تصل إلى ماعليه اليوم إلا من عدائية أبنائها تجاه بعضهم البعض , وقسوة
قلوبهم على بعض , ففي الخارج كنت أجمل صور الناس جميعهم , وما إن وصلت إلا وتشوهت
صورهم في مخيلتي, فغالبية الناس قست قلوبهم مع الحرب , وباتوا يعاملون بعضهم
كالوحوش المفترسة التي تفرح لأذيه غيرها وتتشمت لحزن بعضها البعض .
فلم تعد الأزمة ( الحرب ) في سورية سياسية ’ بل إنسانية , فنحن في سورية نتحجج
بالأسباب السياسية التي أوصلتنا إلى هذا الحال , وماهي إلا رمي الأسباب الى الغير
متناسين أننا نحن من نصنع تلك الحرب التي أوصلتنا إلى هذا الحال اليوم .
سورية جميلة حتى في حربها , و ألمها , و دمائها ,
لكن من فيها يقبحوا كل شيء جميل بقساوتهم , ولؤمهم , وكيدهم , الذي يقهر القلب بلا
رحمة حتى بتّ أرى الحياة أجمل في الخارج , ولو كانت صحراء قاحلة , يكفي أنها
ستبعدنا عن حربنا .
فالحرب المعلنة , تختلف عن الحروب الإنسانية في سورية , فبدل أن يضربوك برصاصة ,
باتوا يستخدموا أسلحة قاهرة أشد فتكاً بك , فهي قادرة على تدميرك أكثر من مئة رصاصة
.
بالرغم من كل العوائق القاهرة أصرّيت على تحقيق هدفي لأخرج من سورية في أسرع وقت
ممكن , وها أنا اليوم أنهي مهمتي بنجاح , بعد أربعة أشهر في سورية حيث فرش طريقي
بالأشواك التي أدمت قلبي قبل قدماي .
و أخيراً في سورية رائحة الموت في كل مكان فبات موت النفوس أكثر من موت الأنفس
وكلاهما من صنع في سورية الألم و القهر في كل مكان.
نسأل الله الفرج لسورية و كل من بها ليرحموا بعضهم البعض قبل رحمة الآخرين عليهم ,
فكيف لهم أن يطلبوا الرحمة من العرب , وهم أشد بخلاً بها على أرض الوطن !
https://www.facebook.com/you.write.syrianews