لم يكن الفن في يوم من الأيام سوى وسيلة للإرتقاء بالقيم الإنسانية . ويكون ذلك عبر قوالب درامية وكوميدية أو ما شابه ...
فلقد تعودنا أن نرى ذلك من خلال الكوميديا السورية , التي تضحك الناس من خلال همومهم فباتت تخلق من الهم والوضع الإجتماعي السائد وسيلة للضحك . على المبدأ القائل (( شر البلية ما يضحك )).
لقد توسم الجمهور خيراً عندما علم أن الفنان سامر المصري سوف يقوم بدور البطولة في مسلسل أبو جانتي .
فمن يتابع ما قدمه سامر المصري خلال مسيرته الفنية الغنية , يجعله متأكداً بأنه سوف يشاهد عملاً لا يقل أهمية عن ما قدمه.
وعلى الرغم من النجاح الساحق الذي حققه الفنان سامر المصري , في مسلسل باب الحارة فشل في استثمار هذا النجاح والشعبية التي حصل عليها خلال ثلاث سنوات مضت.
لقد أحب الجمهور في شخصية أبو شهاب ((العكيد )) الشهامة والقيم التي جسدها خلال أحداث المسلسل . لكن هذا لا يعني أبداً أن يظل أسيراً لهذه الشخصية , بل كان عليه أن يحافظ على ذلك النجاح وان يجعل منه قاعدة في تأسيسه لنجاحاته اللاحقة .
أما ما حصل في مسلسل أبو جانتي خيب آمال المشاهد .
وبالرغم أن المصري حاول من خلال الحلقة الأولى جذب المشاهدين . لكن الخيوط التي بدت أن أبو جانتي يمسكها بيده أخذت تتسرب منه خيط تلو الأخر.
ومع ظهور أبرز شخصيات المسلسل ( أبو ليلى , سعيد , عماد ) أخذت الحبكة الدرامية تأخذ منحى بياني منحدر شيئ فشيئ . ليتحول المسلسل من الكوميديا الى البحث عن كوميديا لإضحاك المشاهد بغض النظر عن الوسيلة .
فما قدمه الفنان السوري سامر المصري من خلال أحداث مسلسل أبو جانتي , لم يكن قيم إنسانية , أو قصص مفترضة في بيئة شعبية دمشقية . بل كانت عرضاً سطحياً لشخصيات لا تمثل سوا نفسها .
فإذا أردنا أن نقول أن العمل كان جماهيريا ً .كما جاء في حفل (( أدونيا 2010 )) فهذا يعني أننا قد سخفنا من عقول المشاهدين ,وأسئنا الى باقي الأعمال الأخرى التي تندرج في خانة الأعمال الكوميدية والجماهيرية.
لقد أخذت شخصيات المسلسل تظهر واحدة تلو الأخرى .بقوالب غريبة مرفوضة اجتماعياً.
فمنها التاجر الذي يتلاعب بالعبارات ويتعرض لكل فتاة تمر من أمامه بكلام مرفوض أخلاقيا ً. فمتجره مكان لخيانة زوجته ولنزواته .وهو نفسه الذي يخاطب أعضاء فرقته ويناديهم باسماء غير لائقة .
وهناك اللاعب الفاشل الذي لا يملك شيئاً سوى أوهاماً وهمه والوحيد الرشوة و أخذ قبلة من خطيبته .
أما الطامة الكبرى بتلك الشخصية التي جسدها الفنان أندريه سكاف بدور (( عماد )) حيث
النصب , الكذب ,الكسل ...والحشيش ... الخ من الصفات التي تكفي واحدة منها لكي تنفر منه
طبعاً جميع من ذكرناهم هو أصدقاء أبو جانتي والمقربون منه ويدخلون بيته ويأكلون ويشربون فكيف يكون هذا التناقض القاتل ؟؟ كيف أن يكون ابو جانتي يتمتع بجميع الأخلاق التي حاول أن يظهر فيها وأصدقائه ( الأزعر , الفاشل , والحشاش ) ...؟
أما إذا ما ذكرنا قليلا ً من أحداث هذا المسلسل نلاحظ أنه قد أساء إلى نفسه أولا ً وأساء إلى المشاهد ثانياً وعلى سبيل المثال وليس الحصر .
الحلقات التي أخذ أبو جانتي يفتش عن عروس لصديقه السعودي .
كيف استطاع الفنان سامر المصري أن يوفق بين الشاب صاحب النخوة والشهامة
( الزكرتي ) بالمفهوم الشامي وبين أن يزوج بنت صغيرة لرجل سعودي يكبرها بعشرات السنين مقابل حصوله على المال ؟!!
كيف استطاع التوفيق بين الرجل الغيور على أهل بيته وبين الحلقة التي أخذ معه صديقه أبو ليلى لكي يتعرف على زبائنه من الروسيات الشقراوات ...!
والكثير من المشاهد الغنية بالتناقضات في الشكل والمضمون التي أحتواها هذا المسلسل ..
ما هكذا تورد الإبل يا سيدي ...
فكم كان جميلاً لو حافظت شخصية ابو جانتي التي جسدتها في بقعة ضوء.
لقد كنا نأمل منك غير ما قدمته لإن جمهورك ومحبينك يستحق منك أفضل من هذا .