news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
فشة خلق
روتين المعاملات الحكومية ... فهل من مجيب... بقلم : محمد الحبال

ساقتني الأقدار و أنا ابن دمشق إلى أن أدرس سنتي الجامعية الأولى في جامعة حلب، بعد انتهاء السنة الأولى كان لابد من السير في معاملة نقل الثبوتيات إلى جامعة دمشق. لم أستصعب المهمة في البداية، خرجت إلى حلب كما كنت أخرج دوماً محملاً بالأمل لإنهاء معاملتي في ساعتين لأعود لدمشق قبل الغداء (و كان من عادتي التفاؤل)، إلا أنني لم أدرك أنها من المهمات المستحيلة.


ذهبت إلى الجامعة و استلمت نموذجين (فقط) لأقوم بجمع التواقيع و الأختام عليهما .. زاد تفاؤلي بإنهاء معاملتي خلال أقل من ساعتين، و بدأت مشوار جمع التواقيع و الأختام، و الذي انتهى مع نهاية دوام اليوم التالي (مع وجود واسطة معتبرة قامت بتسيير المعاملة) بجمع ما يزيد عن 50 توقيعاَ و ختماً (فقط) و أخذ من الوقت ما يزيد عن 14 ساعة موزعة على يومين.

 

لم أكن أتخيل (ولا أحد ممن حولي) أن تكون معاملة نقل من جامعة إلى جامعة بهذا التعقيد، غير أنني لما عاركت سوق العمل عرفت أن إجرائيات العمل حتى في أكثر الجهات تقدماً و تطوراً لا تقل تعقيداً عن الإجرائية التي قمت بها. و لست أقصد هنا الجهات الحكومية طبعاً ... فإنني لم أستطع إلى الآن أن أجد مقياساً مناسباً ليقيس مدى تطورها و تقدمها، سوى الموظفة في أحد أهم الجهات الحكومية و التي أحضرت إلى العمل معها .... وسادتها.

 

مع تعقد بيئة العمل و تزايد المتطلبات و رغبة إدارات المؤسسات بتحقيق الضبط الكامل لجميع إجرائيات العمل، تعقدت مقابل ذلك هذه الإجرائيات و صار لا بد من أن تسير المعاملة الواحدة في سلسلة لانهائية من الموافقات لتضمن (ما أمكن) من سير المعاملة في طريقها النظامي، و كلما ازداد حجم المؤسسة ... زادت بالمقابل درجة تعقيد الإجرائيات و زاد بالمقابل طول فترة إنجاز أية معاملة.

 

الغريب في الموضوع أن ازدياد تعقيد إجرائيات العمل لم يؤدي إلى مزيد من الضبط لهذه الإجرائيات (كما هو مفترض)، بل على العكس أدى إلى ازدياد الأخطاء و التجاوزات، حيث أن ازدياد عدد مراحل الإجرائية أدى إلى ازدياد فرصة الأخطاء (سواء المقصودة أو العفوية) و بالنهاية ... نتج لدينا كمية هائلة من المعلومات و الوثائق المرتبطة بالإجرائيات و التي جعلت من عملية مراجعتها و مراقبتها لاكتشاف الأخطاء أمراً أشبه بالمستحيل.

 

والمفارقة .. أن مدراء المؤسسات والشركات يسعون من لحظة توليهم مناصبهم إلى تعقيد الإجرائيات قدر الإمكان بقصد أو بدون قصد. ولم تنتشر فينا ثقافة تبسيط الإجرائيات. حيث أصبح في نهاية الأمر تعقيد الإجرائية هدفاً بحد ذاته متناسين الهدف النهائي لإجرائية العمل ... وهي العمل.

 

على أن تبسيط الإجرائيات ليس بهذه السهولة، فهي مهمة تحتاج إلى كفاءات عالية وخبرات كبيرة، بالإضافة إلى الحاجة إلى أنظمة معلوماتية متخصصة لاكتشاف عقد الاختناق ضمن الإجرائية و كيفية توزيع الحمل ضمن مركز العمل و التي تؤدي في النهاية إلى تسيير العمل بشكل مبسط مع تحقيق ضبط كامل على كافة المراحل.

 

لست أسعى أو أدعي أننا سننتقل إلى إجرائيات مبسطة بين ليلة و ضحاها، فهي خلاصة جهود متواصلة تسعى لتحقيق هذا الهدف، و لكنني أتمنى أن أعيش إلى اليوم الذي يستطيع فيه طالب أن ينقل ثبوتياته من جامعة حلب إلى جامعة دمشق دون أن يضطر لجمع ما يزيد عن خمسين توقيعاً ... لو فتشنا في النهاية لوجدنا أن اثنين أو ثلاثة تفي بالغرض منها.

 

 

2010-12-21
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)