"مقتبس عن كتاب:لماذا أخشى أن أقول لك من أنا"
يعلّق مجتمعنا اليوم أهمية كبرى على الصدق.ولقد قيل الكثير عن ((االقناع))الذي به نحجب حقيقة ذواتنا وعن الأدوار التي بتمثيلها نُخفي واقع أنفسنا وهذا يعني أنه في مكان ما ,في داخلك وفي داخلي,تختبئ ذاتنا الحقيقيَّة.
ويفترض بعضهم أنًّ الذات الحقيقيُّة كيان مكتمل جامد.ولكنُّ الواقع أنُّ الذات في داخلي تشعُّ أحياناً ,وأحياناً أخرى أراها مرغمة على الانكماش والهرب إلى الداخل.
قد يكون لطريقة التعبير هذه مبرر ,ولكنها قد تساهم أيضاً في تشويه الحقيقة بعض الشيء.ليس هناك من كيان جامد مكتمل في داخلك وفي داخلي, ذلك أن كوني شخصاً يعني بالضرورة أنني في مسيرة دائمة,في حالة ديناميكيَّة.وإنَّ ما يؤلف كياني كشخص هو
ما فيه أفكُّر
ما به أحكم
ما به أشعر
ما أستطيع تحقيقه
ما أجلّ
ما أحترم
ما أحبّ
ما أكره
ما أخشى
ما أتمنّاه
ما أصبو إليه
ما أؤمن به
وما به ألتزم.
كلّ تلك الأمور تشكِّل جوانب من المعنى الذي أعطيه لذاتي,وكلُّها دائماً في حركة,حركة تغيُّر مستمر.
وإذا لم يكن عقلي وقلبي في حالة جمود بائسة,فكل ما يدخل في إطار شخصيتي هو متغير أبداً.
إنَّ شخصي ليس بالكائن الصغير الجامد والمكتمل,بل إنه كيان ديناميكيّ,دائم الحركة.فإذا كنتَ قد تعرّفت إليَّ البارحة,أرجوك ألاّ تظنّ أنني لا أزال الشخص نفسه اليوم.
لقد ازددتُ خبرة في الحياة,وتعمَّقت معرفتي لأولئك الذين أحبّ,وقد صلّيت وتألّمت وتغيّرت.
فرجائي ألاَّ تكون أحكامك عليَّ ثابتة,غير قابلة للتبديل ,لأنّي,حيث أنا,لا أنفكّ أحاول جاهداً أن أفيد ممّا يمرّ بي كلّ يوم.
أقترب منّي وكأنّك دائماً تبحث عن جديد فيَّ ,لأنني في الحقيقة قد تغيّرت.ولكن حتى إذا فعلتَ ذلك,فقد أستمرُّ في خشية من أن أقول لك مَن أنا.
إنِّي أخشى أن أقول لكَ من أنا ,لأني إذا فعلت قد لا يروق لكَ من أنا وذلك جلُّ ما أملك .
لذلك ,ربما سألجأ لقناع ما,رغم أنني أعلم بأن اللجوء لتلك الأقنعة سيتحوّل شيئاً فشيئاً إلى عملية غش للذات, سأفقد معها معنى الهوية والصدق.
ما من أحد يودُّ أن يعيش في الغشّ والكذب ,ولا في الرياء والتزيف ,ولكن عنف المخاطر والمخاوف التي يثيرها التعبير عن الذات,يدفع بنا إلى الاحتماء وراء أدوار وأقنعة غالباً ما تتحول إلى ردة فعل عفوية عندنا.
وقد يصعب علينا بعد فترة من الزمن ,أن نفرق بين حقيقتنا الشخصية في وقت ما من نموِّنا وبين ما ندّعي أنّنا عليه .إنها لمشكلة إنسانية بلغت من الشمول درجة تسمح لنا بأن نصفها ((بالواقع البشري)).
إنَّه,في الأقلّ,الواقع الذي منه ينطلق العديد منّا نحو النموّ في الصدق والحبّ.