news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
إلى المعارضين الذين تباكوا على حلبْ ، هذه هي أسباب الهزيمة من البداية للنهاية...بقلم: د.عبد الحميد سلوم

**أولا لستُ ممن يجامل أحدا على حساب قول كلمة الحق والحقيقية ... ولا يعنيني من ينزعج ومن ينطرب ، المهم أن نكون مع الوطن ونبقى بجانب الوطن ، ونقول كلمة الحق من أجل الوطن الذي لن ينهض من تحت الأنقاض والركام ما لمْ يقتنع الجميع بالحاجَة الماسّة والضرورية والحتمية للانتقال السياسي كما نصّ عليه بيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 .. لم نعُد نحتمل مناظر هذا الكركدن أو ذاك العجوز والعجوزة وهم في وجوهنا وكأنّ أرحام الأمهات في الوطن عقمت ولم تعد هناك سوى بضعة وجوه !.. أكبر امتهان لأبناء الوطن وكرامة كوادره وكفاءاته هو بقاء البعض في المناصب بلا حدود زمنية وبلا تغيير ، سواء وزراء أو سفراء أو غيرهم ، بينما يوجد لكل واحد منهم مائة بديل بربع ساعة وأكفأ منه .. الوطن باتَ مزارع وإقطاعيات ومجموعة تتقاسم المكاسب والمال والمناصب ، وهذا هو أصل الداء وسبب الوباء والدافع للاندفاع للشوارع للاحتجاج على هذا البلاء !.


*ما إن تمّتْ استعادة السيطرة على مدينة حلبْ من طرف الجيش السوري وحلفائه ، في 14 أو 15 /12/ 2016 حتى خرجتْ أصوات المعارضة من كل مكان تُحلِّل وتُنظِّر وتُفنِّد أسباب هذه الهزيمة والفشل ... تحدّثوا عن التشرذم وعدم التنسيق وتعدد القيادات والتخطيط الفاشل وانعدام العمل الجماعي والافتقاد لقيادات وازنة والانقسام بين القوى الإقليمية ، والتبعية لأجندات مختلفة وووووو كل شيء ، وكانوا جريئون وصريحون في انتقاد فشلهم (كما فعلتْ المعارِضة سميرة ...) التي كتبتْ تقول : ( ما زالت خطاباتنا تقوم على ردود الفعل ، ونجامل في الخطابات التي تصدرها بعض الفصائل العسكرية، بدلاً من بذل الجهود لمحاورتها، وجذبها إلى خطابٍ يتأسس على إقامة دولة مواطنين ديمقراطية، تراعي التنوّع والتعدّدية في مجتمعنا السوري، بعيداً عن الرؤى الضيقة، والحسابات الفصائلية والطائفية.. والأخطر من ذلك أن “الائتلاف” لم يقم بواجبه بكشف جبهة النصرة، أي كشف فكرها التكفيري، ونهجها الإرهابي، بما في ذلك تسلطها على مجتمعات السوريين .... الخ المقال) ..

.
**الكلام سليم 100% ولكن هذا لا يعكس كل الحقيقة ... كان الأجدى بالجميع أن يعترفوا ويُقِرُّوا بكلِ وضوحٍ وجرأة أن سبب الفشل الأساسي والرئيسي من البداية وحتى النهاية هو (الآيديولوجيا الدينية )، والطرح (الطائفي) والخطاب الطائفي الذي علا فوق كل خطاب لدى التنظيمات الدينية المسلحة بكافة تنوعاتها منذ بداية ظهورها على الساحة ..


**نعم ، إنه الطرح الطائفي الذي رفعتهُ الجماعات الدينية الإسلاموية المسلحة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها وظهورها ، كان السبب خلف كل الإخفاقات والهزائم .. فقد تأسستْ على آيديولوجيات دينية ورفعت شعارات الدولة الدينية ومارستْ الحقد الطائفي بأبشع أشكاله ... وإلا ما معنى أن يتم اختطاف الناس في الغاب عن الطرقات منذ بداية الأحداث على هويتهم الطائفية فقط ، واستمر الخطف على الهوية الطائفية على الطرقات العامة دون ذنبٍ أو مُبرّر ...


** تمّ خطف ابن أخي عن الطريق العام وهو لا علاقة له بالدولة ، والدهُ كان شهيدا قبل الاحتجاجات بخمسة عشر عاما وهو في مهمة ليلية بطائرته بالقرب من الجبهة مع العدو ، ورحل دون أن يترك لأولاده بيتا في كل الوطن .. ولكن خطفوا ابنهُ المسكين (الأب أيضا لأربعة أطفال) فقط لأنه (علوي) بهدفِ المبادلة عليه ببعض المساجين ، وكأنه كَعلوي مُهِمٌ جدا لدى السُلطة وستهرع حالا لاستبداله !.. لم يُدركوا أن العلوي لا يعني شيئا لأي مسئول في النظام ما لم يكُن من عظام رقبتهِ ..


** خطفوا صهرنا المحامي مع زملائه(وله طفلين) شمال دمشق عن الطريق العام ، فقط لأنهم (علويون) دون ذنب أو مبرر سوى الهوية المذهبية ... وقد شاهدوا أنه لم يهتم أحدا بالدولة بهم ، لأنهم ليسوا من عظام رقبة هذا المسئول أو ذاك حتى يهتمون بهم .. (وهؤلاء مجرّد أمثلة ) ..


**كمْ واصلَ العلويون في مناطق الغاب الليل بالنهار ساهرين لحراسة قراهم تحت تهديد التنظيمات المسلحة باقتحامها في أية لحظة لأنها قرى علويين ، (ومع ذلك لم تنجو قرية "الحُرّة" من تفجير شاحنة مفخخة راح ضحيتها حوالي خمسين ضحية عدا عن عشرات الجرحى ، وهم نيام في الصباح الباكر ) !!. ولم تنجو قرية علوية في الغاب من الصواريخ !!. هذه هي الرسالة من البداية : كل علوي هو ابن النظام وهو هدف للقتل !...


**كم من الأطفال والنساء من القرى الأمامية في الغاب القريبة من قرى أهلنا (السُنّة) تم ترحيلهم إلى الجبال القريبة خوفا من أن يتعرّضوا لِما تعرّض إليه الإيزيديين في العراق .. كمْ وقفَ (المحيسني) مهددا ، في وسط الغاب وهو يردد : هذا هو الحد الذي يفصل بين أهلنا السنّة وبين النصيرية الكفار ، متوعدا إياهم بالسحق !..


**لقد كانت صدمة العلويين في الغاب كبيرة جدا .. فلم يكونوا يتوقعون في أي يوم ، ومهما حصل في الوطن ، أن يتربّصَ بهم أبناء القرى (السنية) المجاورة ، وهم من عاشوا كما الأهل أبا عن جد ،، وتقاسموا مع بعضٍ السرّاء والضرّاء في الغاب ، ويعرفون بعضهم بعضا عائلة عائلة ، وبينهم علاقات زواج .. فخالتي متزوجة من سُني في إحدى القرى المجاورة !!..


**لا يوجد أدنى شك لو أن التنظيمات الدينية الطائفية المسلحة دخلت مناطق وقرى العلويين في الغاب وهي بحالة انتصار ، وحاصرتْ الجبال والساحل ، لحصَلتْ مجازر لم يعرف لها التاريخ مثيلا لا زمن الأمويين ولا العباسيين ولا الأيوبيين ولا المماليك ولا العثمانيين الذين كانوا يطمرون العلويين في مناطق حلبْ والمعرّة بالآبار ويردمون عليهم .. وذلك دون أي تمييز إن كان هذا مع النظام أم ليس مع النظام ، المهم أنه علوي ، فالهدف هو كل علوي بغضِّ النظر عن ميوله السياسية !.


*في اليوم الثاني للاحتجاجات ، والتي ملئتْ قرى الغاب (السنية) (مع الأسف الشديد لاستخدام هذه التعابير الطائفية ، ولكن طبيعة الموضوع تفرضها ) ،، اتّصلَ أحد وجهاء قرية (الكْريم) ، رحِمه الله ، السنية المجاورة بعد أن سمع أنهم يخططون لمهاجمة قرى العلويين ، وكنا وعائلته كما العائلة الواحدة أبا عن جد ، وردّ عليه أحدهم من عائلتنا ، وقال : (يا بيت أخوتي ، هل أنتم خائفون ؟. إن كنتم خائفون سنذهب إلى بيوتكم ونحرسكم .. ) ... فأجابوه : كيف نخاف وهناك أوفياء للخبز والملح والعشرة والصحبة ولتاريخ الآباء والأجداد ، كما أنتم !!. وتابعَ : لماذا سيهاجمون قُرانا ، فالجميع فلاحون كما أنتم ،، وطيلة حياتهم ينالهم من هذه الدولة ما ينالكم من أسعار المحاصيل المجحفة ، وظلمِ الفلاحين ، وعدم السماح لهم بالتصرف بمحاصيلهم الزراعية ، ومشاكل المياه والسقاية وتوفير البذار والسماد ، والرشاوى في صوامع الحبوب ومعمل الشمندر ...الخ .. ألسنا متساوين في كل ذلك ، بل وحتى بما يأتي من السماء ؟. نحنُ وإياكم في الهمِّ والغمِّ والكربِ واحدٌ ، فلماذا التفكير باقتحام قرانا؟؟. ).. طبعا لم يكن هناك من سبب سوى أنها قرى علوية والتنظيمات كلها تنظيمات طائفية تعتبر العلويين نصيرية كفارا ويجب تطبيق فتاوى ابن تيمية عليهم !!. للأسف هذه هي الحقيقة ..


**كم تمنيتُ لو صدرَ بيانٌ واحدٌ عن كل مؤسسات المعارضَة يستنكر به الخطاب الطائفي والتهديد الطائفي ، ويرفض اقتحام قرى العلويين ، ويؤكّد أن هؤلاء أهلنا وأخوتنا في الوطن، ومشكلتنا ليست معهم وإنما مع (نظام الحُكم) .. ولا يجوز المس بأي علوي لِمجرّد أنه علوي !.. للأسف هذا لم يحصل ، لا من مؤسسات المعارضة وأحزابها ، ولا حتى من أفراد يرفعون راية العلمانية والليبرالية والديمقراطية والتعددية .. بل على العكس ، الجميع كان يشدُّ على أيادي تلك التنظيمات الطائفية لاقتحام قرى العلويين في الغاب على أساس أنها (مؤيدة للدولة) دون أي تفكير بما سينجم عن ذلك من دماء ودمار ومآس إنسانية !!.


**كل أطياف المعارضة السياسية تعي وتدرك أن كافة التنظيمات المسلحة هي تنظيمات دينية وطائفية ، ومشروعها بالنتيجة واحد ، وهو إقامة الدولة الدينية ، وليس العلمانية ولا المدنية ... ولكن المعارضة السياسية هي من ألصقتْ نفسها بتلك التنظيمات الدينية وتملّقتْ لها حتى تكسب رضاها ، وليس العكس !. فكانت المعارضة السياسية تتبع التنظيمات الدينية وتسير خلفها ، وليس أمامها ، وهنا يكمن بيت الداء ونواة الفشل والإخفاق !..


**لا أدري لماذا كانوا يعتقدون أن كل علوي هو عاشق ومُغرَم ومُتيّم بالنظام .. بينما العلويون كانوا يعانون كما كل أبناء الوطن ، والجميع ينطبق عليه القول ( كلنا بالهوى سوا ) .. يلومونهم لأنهم لم ينضموا للمظاهرات ، ولكن لا يلومون أنفسهم حينما أخافوا العلويين من اليوم الأول بالشعارات الطائفية ، والتهديد باقتحام قراهم ... هذا ما عشناه في الغاب منذ الأيام الأولى !.. لقد كانت أيادي الأخوان المسلمين واضحة من البداية في قيادة تلك التظاهرات والاحتجاجات في قرى الغاب !.. فهل من عاقلٍ يعتقد أن العلويين سوف يسيرون خلف الأخوان المسلمين مهما كان واحدهم ضد النظام وكارها له !!.


** نعم كل العوامل الذاتية والموضوعية كانت متوفرة لاندلاع الاحتجاجات في سورية ، ولم يختلف أحدا على القواسم الوطنية المشتركة ، ولكن الخطف على الهوية المذهبية والخطابات والشعارات الطائفية التي ارتفعتْ لم تكن تشكل قواسم وطنية مشتركة ، حتى يقتنع بها الجميع ، بل كانت عوامل تخويف من استهداف طائفة بالكامل على هويتها المذهبية .. ولذلك دفعوا بالعلويين دفعا إلى أحضان كل من يدفع عنهم خطر الموت والفناء !.. وهذه غريزة عند كل بني البشر !.
**هذا هو السبب الأول والرئيس للفشل والهزيمة في حلب وفي غير حلب ،، وهو الراية الطائفية والآيديولوجيا الدينية والطائفية ، التي رفعتها التنظيمات المسلحة منذ اليوم الأول ، وفشل كل مؤسسات المعارضة وأحزابها وشخصياتها في ردعِ هذا الخطاب !.


**للأسف طيَّفوا كل شيء منذ البداية ، واعتقدوا أن التحريض الطائفي هو السبيل الأمثل لتوحيد كل أهل السُنّة في وجه العلويين ، وكانت الأجندة واضحة منذ اللحظة الأولى : إقامة دولة دينية على أساس الشريعة الإسلامية ، ونقطة على السطر .. وهذا يعني بكلامٍ آخرٍ إقامة دولة طائفية في سورية وإخضاع الجميع لهذه الدولة !.. وهنا كان بيت الداء وأصل البلاء !..


**على الجميع أن يعي ، لاسيما بعد كل هذه الويلات ، أن الاستبداد الديني لا يمكن أن يصلح نهجا للحكم في أي مكان ... وبالمقابل أن الاستبداد السياسي واحتكار السلطة والنفوذ والمناصب والمكاسب والامتيازات لشريحة في الوطن ، فهذا أمر مرفوض ولا يصلح نهجا للحكم في أي مكان .. إنه منتهى الظلم ...


**لقد سئمنا من مناظر بعض الكركدنات وبعض العجائز ، والعجوزات ، وتحويل الوطن والدولة إلى مزارع وإقطاعيات ، وكأنه لا يوجد في الوطن سواهم !.. هل وعى أصحاب القرار في الوطن أن سياساتهم وانعدام العدالة لديهم ، والسماح للظالمين بممارسة ظلمهم وفسادهم والدعس على كل مفهوم المعايير وتكافؤ الفرص ، والانحياز للبعض وإبقائهم بالمناصب بدون حدود زمنية ، في ترسيخ فاضح لسياسة وثقافة المزارِع ، هل وعُوا أنهم بتلك السياسات قد حرّضوا البشر ضدهم ، وإن استمروا بذات العقلية فإنهم سيستمرون بتحريض البشر ضدهم .. حتى اليوم لا شيئا يوحي بأنهم تعلموا بمثقال ذرّة من كل أخطاء الماضي والحاضر !..
 

2017-01-01
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)