مازال الخوف من زيارة الطبيب النفسي واسع الانتشار في بلادنا بالرغم من التطورات والتغيرات الايجابية في ميدان الوعي الطبي والصحي العام والذي شمل اختصاصات الطب كلها بما فيها الطب النفسي ...
الذي شهد اهتماما لا بأس به في الفترة الأخيرة بسبب الحاجة إليه إلى جانب العلوم الأخرى , ومع ذلك تفعيل دور الطب النفسي والعيادة النفسية ظل قاصرا على شريحة قليلة جداً من الناس التي هي فعلاً بحاجة إلى طبيب نفسي .
مجمل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والحياتية بشكل عام وربما الشخصية والصحية الجسدية بشكل خاص كالإعاقة أو الإصابة بمرض عضال وغيرها هي من يضع الإنسان في دائرة الإحباط والاكتئاب المرضي قد يكون معظم الناس ضحية الوسواس القهري على الرغم من أن طبيعة المشكلة الفردية تختلف ومع ذلك يرفضون اللجوء إلى الأخصائي النفسي فهناك إحصائية تقول إن ربع سكان العالم يصابون بمرض نفسي .
إذاً لماذا الخوف من زيارة الطبيب النفسي ؟
سؤال قلما ما نسأله لأنفسنا بالرغم من أهمية الفكرة والغاية منها
وقبل الحديث مع الأخصائي النفسي قمنا بسؤال مجموعة من الناس عن رأيها بهذا الموضوع .
يقول عامر ( 45 عاما , مهندس ) لقد زرت الطبيب النفسي وأخبرني إني لا أعاني من أية حالة نفسية مرضية وإن ما كنت أعانيه كان بسبب عدة صدمات تعرضت لها في حياتي سببت لي بعض الاضطراب النفسي الخفيف ومن منا لم يتعرض لصدمات مؤلمة وبحالتي هذه وجود الطبيب ساعدني كثيراً
لكن رأي لجين اختلف إلى حد بعيد فهي مطلقاً لا تفكر في زيارة الطبيب النفسي لأنها لا تريد أن تشعر بالعار أو الذلة من زيارة الطبيب النفسي فزيارة الطبيب النفسي قد يجعلها تعاني من مشكلة أخرى مع المجتمع الذي تعيش فيه مثلا (يا حرام لجين مجنونه) .
بالنسبة لداليا فهي ترى أن زيارة الطبيب النفسي كزيارة أي طبيب آخر فكما هو موجود المرض الجسدي موجود المرض النفسي والعقلي وكلاهما بحاجة إلى علاج وقد يكون علاج أحدهما مكمل للآخر .
وحين سؤالنا الأخصائي النفسي الدكتور ابراهيم استنبولي عن سبب خوف الناس من زيارة الطبيب النفسي
قال:
إن الإنسان ابن بيئته والبيئة عندنا مازالت للأسف تنظر إلى المريض النفسي بريبة وحذر وتتخذ منه موقفاً غير صحيح وكثيراً ما يشاع أن المريض النفسي هو مجنون علما انه ليس ثمة مصطلح مجنون بالمعنى الدقيق للكلمة في الطب النفسي ,أيضا الموقف السلبي من المريض النفسي جعل الناس يخشون أن يعرف عنهم أنهم مرضى نفسيين ولذلك نرى من هو مصاب باضطراب نفسي مهما كانت خطورته يتردد في زيارة العيادة النفسية .
برأي الدكتور ابراهيم أن الإعلام لعب دوراً سلبيا خاصة التلفزيون من خلال بعض المسلسلات الدرامية والتي أعطت صورة مغايرة في كثير من الأحيان لطبيعة المرض والمريض النفسي
باختصار إن الخوف من زيارة الطبيب النفسي منشأه ليس المرض النفسي بحد ذاته وإنما الخوف من نظرة المجتمع السلبية إلى المريض النفسي
ولكن برغم ذلك فقد تراجع الخوف من زيارة العيادة النفسية كثيرا في الآونة الأخيرة مقارنة بما كانت عليه الحال قبل عقد أو عقدين من الزمن والدليل على ذلك زيادة عدد المرضى النفسيين الذين يراجعون العيادة النفسية لدى صحة طرطوس من مختلف الشرائح ومن مختلف الفئات
عن الذين يراجعون العيادة النفسية
هناك ثلاث مجموعات يجب التمييز بينها
المجموعة الأولى وتشمل الناس المصابين باضطرابات عصابية مثل القلق-الاكتئاب-الذين يعانون من الخوف الشديد (الفوبيا)-الانحرافات .......
هؤلاء يأتون من تلقاء أنفسهم إلى العيادة النفسية ويعتبرون المجموعة الأكثر انتشارا
المجموعة الثانية هم مرضى يعانون من ذهانات نفسية بسيطة خفيفه وقد استقر وضعهم بالعلاج لذلك نراهم يراجعون الطبيب النفسي من تلقاء ذاتهم
اما المرضى الذين ينتمون إلى المجموعة الثالثة يكون لديهم ذهانات حادة مثل اضطرابات نفسية شديدة تجعلهم غير قادرين على إدراك مرضهم بشكل دقيق ويشكلون خطراً أو تهديداً على محيطهم وغالبا ما يجلبهم احد إلى العيادة النفسية
لذلك عندما يصبح المصاب باضطراب نفسي عاجزا عن تأدية واجباته الاجتماعية أو إذا وجد صعوبة بالغة في الاستمرار بعمله ومتابعة حياته الطبيعية بغض النظر عن السبب يجب عليه زيارة الطبيب النفسي
بخصوص الاستشارة النفسية
يحتاجها إي شخص في المجتمع لديه مشكلة عدم التأقلم أو يعاني من التوتر الشديد بغض النظر عن عمره أو جنسه أو وضعة الاجتماعي كالأطفال مثلا يخافون من المدرسة ربما حتى مرحلة ما قبل المدرسة قد يعانون من مشكلات حلها يحتاج استشارة نفسية .
يقول الدكتور استنبولي :(اشجع كل من يعاني من ألم نفسي أن يراجع طبيب نفسي ) فالأمر لا يقتصر على المريض النفسي فقط.
وهذا يحتاج إلى نشر الوعي بدور وأهمية الطب النفسي العلاجي والوقائي الذي يرتبط بمسألتين هامتين
الأولى لها علاقة بدور الطبيب البشري بتوجيه مرضاهم إلى الطبيب النفسي اذا وجد ضرورة لذلك لأنه يجب على كل طبيب بشري معرفة ان كثيرا من الأمراض الجسدية سببها نفسي وبالعكس هناك بعض الأمراض الجسدية لها مضاعفات نفسية على المرضى مثلا كمرضى السرطان وغيرها
المسالة الثانية مرتبطة بدور وسائل الإعلام حيث هناك قصور في تعميم ونشر مختلف وسائل إيصال المعلومة المتعلقة بالمرض النفسي إلى الافراد لذلك يجب عليها تكثيف البرامج والندوات لنقل مفهوم الصحة النفسية بلغة واضحة وسهلة
مع العلم إن مديرية الصحة النفسية في وزارة الصحة تقوم بإصدار برشورات لتقريب المواطن إلى الوعي بالمرض النفسي والطبيب النفسي وهي تطمح إلى المزيد من التوعية والتثقيف بهذا الخصوص
يبقى الدور الأهم يقع على عاتق الفرد نفسه بزيادة حصة ا لقراءة والاطلاع على مجمل العلوم بم فيها العلوم النفسية
بكل الأحوال زيارة الطبيب النفسي تجربة جديدة في حياتنا وربما سلوكنا علينا جميعا تجربتها عندما تستدعي الضرورة ذلك ,و هي لا تختلف أبدا عن زيارة أي طبيب آخر كونه مرض كباقي الأمراض و مثلما يقال "الجسم السليم في العقل السليم . فغاية السعادة أن يهنأ الإنسان بسلامة صحته.