من ينظر الى الوضع في سورية خاصة ، والوضع
العربي بشكل عام ، لا يمكن له الا أن يتشاءم ويصاب بالاحباط غالبا ، ولكن كم من دول
دمرتها حروب طاحنة ثم انبثقت كطائر الفينيق مجدداً وبنت ذاتها حتى انها زاحمت اكثر
الدول تقدما بعزيمة واصرار شعبها ومواطنيها .
من منا ينسى ما عانته اليابان مثلا من ويلات الحرب العالمية الثانية والدمار الهائل
الذي طال كل مقومات الحياة فيها حتى انها ضربت بالقنابل الذرية عام 1945 ، ومع انها
عادت الى الصفر ومع انها ارض فقيرة بالثروات أساساً الا أن اصرار شعبها فعل
المعجزات فعم الرخاء أرخبيل اليابان وأصبحت اليابان وكأنها بلد قادم من كوكب آخر .
من منا ينسى ما حصل في ألمانيا بسبب تلك الحرب ؟
ألمانيا فقدت كل شيء حتى البشر حيث قتل منها نحو سبعة ملايين انسان بين عسكري ومدني
وكادت تمحي من الوجود ، لكنها وباصرار شعبها نهضت من جديد وبنت دولة صارت رائدة
اوروبة في كل شيء .
من منا لا يعرف ما حصل في الصين التي عانت الأمرين من حرب أهلية طاحنة ما بين 1927
ـ 1950 حيث مات ملايين القتلى وعم الدمار كل الديار لكنها اليوم وباصرار وتصميم
شعبها احدى اهم دول العالم اقتصاداً وقوة عسكرية بعد أن كادت هذه الحرب تمحوها من
الوجود أيضا ً .
والأمثلة كثيرة على أحداث عصفت بمناطق عدة من العالم لكن اصرار أكثرها وعزيمة
شعوبها استطاعت أن تنفض عنها آثار الكوارث وأن تبني ذاتها وتحتل مكاناً مرموقاً بين
دول العالم من جديد . وسورية احدى هذه الدول والتي سيكون لها موقعها وقيمتها
العالية على مستوى المنطقة والعالم لما تملكه من شعب أصيل وارادة صلبة في الحياة ,
وسيذكر التاريخ ذلك .
وكل حرب لها أسبابها وهي وان اختلفت الا انها محكومة بالمصالح في النهاية لتصل الى
مرحلة صراع الوجود واللا وجود !
سورية ، منذ أقامت بريطانية هذا الكيان المصطنع اسرائيل لأسباب لم يعد يجهلها أحد ،
ركبت رأسها ـ ان جاز التعبير ـ وحملت لواء القومية والعروبية الصادقة وبدل أن تبني
ذاتها وقد خرجت للتو من ربق الاستعمار الفرنسي حملت القضية الفلسطينية على كاهلها
ودخلت في صراع وجودي مع هذا الكيان ومن يدعمه من أعتى دول العالم ، ولم تستسلم أو
ترضخ ، بالرغم من معاناتها من تفكك الأمة العربية والاسلامية وانخراط أهم دولهم في
صالح اسرائيل ظنا منهم انهم يحافظون على انفسهم لعدم قدرتهم على ذلك ، وبقيت سورية
مخلصة لمبادئها تجاه القضايا العربية وخاصة فلسطين أملا في ان تستفيق هذه الأمة
يوما وتتحد لانقاذ وجودها من خطر هذا الاسفين الذي يهدد العروبة والدين معا !
سورية ، وبعد استقلالها وخاصة في عهد القائد الخالد اختارت العروبة منهجا في الحياة
والوطنية مبدءاً يرضعه الطفل مع حليب أمه ، واستطاعت برغم قلة الامكانات وثقل
الالتزامات وخاصة القومية ان تبني دولة متماسكة بما فيها من تأمين عيش كريم وجيش
قوي استطاع أن يهزم رابع أقوى جيش في العالم عام 1973 وهو جيش اسرائيل لولا الدعم
اللامحدود الذي قدمته امريكا ودول الغرب لها بعد انهيار جيشها . الم تقرؤوا كتاب
حرب يوم الغفران لحاييم هييرتزوغ عندما اتصل احد قادة الألوية عندهم بقيادته بعد
ذلك قائلاً : هنيئاً لكم ، لقد أنقذ شعب اسرائيل ؟. نعم ، مؤسسات الدولة الخدمية
ملأت سورية . غطتها شبكة الطرق كافة . الكهرباء والماء والهاتف والاتصالات
والمواصلات على أنواعها .. المشاريع على اختلافها غطت كل سورية . الصرف الصحي .خدمات
العلاج ، التعليم ، النقل ..الخ كله كان شبه مجاني ولا يزال الكثير منه بالرغم من
كل شيء ...والغريب أنه ومع كل هذا الدمار والخراب والمغولية والتتارية التي اجتاحت
بلدنا وبالرغم من خراب كل شيء الا ان المواطن يفيق فيجد الكهرباء والماء والغذاء
والدواء وكل شيء موجود ...صحيح ثمة ارتفاع جنوني في الأسعار بسبب وجود فئة فاقدة
للضميروالحروب الاقتصادية التي تشنها دول عدة ضدنا ، لكن كل شيء موجود والمواطن
مخيرمثلا بين أن يعالج ذاته في مشفى خاص ويدفع مئات الآلاف أو أن يقصد مشفى حكومي
شبه بالمجان..نعم هناك دمار وهناك تهجير وهناك قتل ...الفضائيات المغرضة ووكالات
الأنباء المسيسة تنقل الأخبار الكارثية والأرقام المرعبة في كل شيء : الغلاء ، قلة
الدخل ...الخ ولكنك تنزل الى احد الأسواق اليوم فيندر أن تجد مواطناً لا يحمل كيساً
فيه مواد غذائية أو احتياجات وبآلاف الليرات ! جرب أن تتجول في شوارع دمشق مثلا
وستكون محظوظاً جداً ان وجدت متراً فارغاً توقف فيه سيارتك ! جرب وادخل احد المطاعم
حيث لا تقل كلفة الشخص الواحد للطعام والشراب والأركيلة عن ثلاثة آلاف ليرة وتكون
بطلا ان وجدت طاولة فارغة ! السيارات في الشوارع مثل النمل وكلها تحرق البنزين ولها
مصروفها غيرذلك ايضا..! أعرف مواطناً موظفاً يحبه بعض أقربائه فيعطوه بعض المال
كمساعدة، راتبه يا حرام بحدود أربعين ألفا ..منذ فترة اشترى منزلا في احدى الضواحي
بخمسة ملايين ؟؟!! أعلم أن رواتب الموظفين عندنا في كثير من الأحوال لا تتجاوز
الخمسين ألفاً فمن أين يأتي هؤلاء بالمال ؟ اليوم تسمع ان منطقة ما سقطت فيها قذائف
، وبعد أيام تجد فيها عرساً ؟! حتى السوريون الذين غادروا الى بلاد أخرى فهم حيث
يكونون تجدهم وكأنهم في بلدهم من حيث الابداع والتميز حتى صرت تسمع اللهجة الحلبية
مثلا من المصري والألما ني ...وسوى ذلك ؟!
كيف يتدبر السوريون أنفسهم سواء من بقي أو غادر أمور حياته ، فلا يعلم ذلك الا الله
، ولكن ذلك يدل على شعب أشبه بالمعجزة فعلا ، وسنبني بلدنا مجددا ، وسنجعل من آذانا
يدفع ثمن أذيته لنا ليس لأننا بحاجة له بل لأن ذلك حق لنا ، وسيجد الأعراب خاصة أن
سورية التي كانت بمثابة الأم الحنون لكل مشرد عربي أو قاصد لغاية في نفسه أنها ما
تزال أم العرب ولكنها الأم التي لن تتهاون في تربيتهم هذه المرة والقسوة عليهم ان
اقتضى الأمر ذلك .
ان سورية واجهت أشرس حرب في التاريخ أو أنها واحدة من أشرس الحروب فعلا ، واجهت
فيها اجرام أكثر من مائة دولة من بينها دول عظمى ، لكنها اليوم تنتصر ، وصمود جيشها
الوطني وشعبها المخلص لوطنه سيحررها من رجس هذه العصابات التي انضوت تحت مسمى الثور
ة وللأسف ! وقد بدأت الكثير من دول العالم ومنها عظمى كما يحلو للبعض أن يسميها ،
بدأت تعدل أسلوب خطابها مما يدل سراً على هزيمة مشروعها وانتصار الشعب السوري
العظيم باصراره وعناده وصدق وفائه لوطنه وسيندم الكثير منهم على ما فعلوه بحق سورية
وخاصة من يدعي العروبة والاسلام ، ساعة لا ينفع الندم .