حب النفس أو الأنانية تمثل النرجسية؛ اي تبعثر
في الشخصية التي تتميز بالغرور والتكبر والشعور بالأهمية الذاتية، والعناد في
التمسك في الخطأ او القرار، ومحاولة الكسب ولو على حساب المجتمع. (وهذه الكلمة نسبة
إلى أسطورة يونانية، ورد فيها أن نركسوس كان آية في الجمال وقد عشق نفسه حتى الموت
عندما رأى وجهه في الماء).
تلعب الجينات دورا مؤثرا في السلوك البشري، كما
وضح "ريتشارد داوكنز" في كتابه (الجينة الانانية)، حيث يعاني البعض من تلك
الموروثات، والبعض الآخر عن طريق الاكتساب لأسباب متعددة.
الفكر الأناني المتبجح بالتكبر والتفرد السلطوي، يعتبر المسؤول الأول عما يحدث في
البلدان من كوارث، نتيجة صنع العقل السياسي المريض، وهو الذي نسف كنوز القيم
الإنسانية، وتبديلها بقيم المال والنرجسية والطمع، والشاهد واضح على ضحالة الرؤوس
التي تدفع بعالمنا ناحية الانهيار المحتوم، إذا ظل الحال على ما هو عليه، وإذا صمت
المفكرون والمثقفون عن رجال المال، وداهنوا بعض الشخصيات المتنفذة لاسباب ذاتية،
وتركوا عقولهم المصابة بالعطب القاهر، تلهو بمصائر الأمم كما تشاء، فإن القادم لا
يسر أحد، كما حدث ويحدث في البلدان العربية والأفريقية وغيرها، من فقر وإرهاب وتخلف
فكري وحضاري، واضطراب مجتمعي، وخضوع للرب السلطوي السياسي.
إن البيئة الاجتماعية المريضة فسحت المجال للجشع المادي بالتوسع والانفلات، فتلاقت
مع الفكر الأناني لبعض قادة العالم من (ساسة، واقتصاديين، وعلماء، ونخبويين،
وتربويين، وأكاديميين)، وحولتهم الى أدوات يحركها الجشع، فكل هؤلاء الذين تحكموا
بمصير الأرض ومخلوقاتها، شجعوا الفكر الأناني السلطوي، بتقربهم منه ومداهنته،
وترحيبهم واحتفائهم به، فصار الواقع المعيشي لاغلب الدول مثل كرة نار ملتهبة، تدور
وتضطرب لخلق أزمات التخريب والتطرف والتبعثر الاقتصادي والاجتماعي فضلا عن الثقافي،
والسعي المقيت نحو اكتساب المال والسلطة والجاه.
حيث يمكن ان تتسع النرجسية السياسية حتى على الصعيد الخارجي بين الدول بسبب مرؤسيها،
فالدول أنانية في علاقتها مع بعضها البعض، لأنها تعمل على تحقيق مصالحها، وان كانت
ضد وعلى حساب مصالح دول أخرى مجاورة وشقيقة، حيث يمكن تفسيره بالنفاق والكذب
السياسي، في حين لا أخلاق في السياسة حسب توجه هذه النظرية، وهو ما تقوم باتباعه
بعض الدول العربية للأسف الشديد.
إن معتقد الرجل السياسي الأوحد او الحزب السياسي الأوحد يقود إلى تدمير شامل
للمجتمع، وتشل مؤسسات الدولة أكثر مما هي عليه حاليا وتدفع إلى عدم الاستقرار.
لذا لابد من الاخذ بمدأ الفصل بين السلطات، بشرط إبعاد الأحزاب التقليدية التي تطمح
بأخذ المنصب فقط، وتعتبره انجازا لها، لأنها لا تضع الا الموالي لها وان كان فاشلا،
وترسيخ مبدأ الديمقراطية الذي يمنع تجذر الاستبداد السلطوي، والإيمان بروح الفريق
ومنظومات العمل، الذي يعتبر سرا من أسرار التقدم والحضارة، وأن الإنجازات السياسية
الفردية مهما عظمت، فلن تصنع امة أو حضارة، وإنما تصنع مجدا شخصيا لصاحبها المصاب
بالنرجسية وتعامله المستبد، ووضع آلية دستورية وقانونية رصينة لمنع النرجسية
السياسية، لان السياسي ليس مطلوبا منه سوى المسؤولية الخدمية، اي عدم الاهتمام
بدينه او مذهبه اوعرقه او أخلاقه.
المجتمع بحاجة الى التدقيق في التأريخ؛ لمعرفة الشخصية النرجسية السياسية، وكيفية
وصولها إلى الحكم، وطرق التخلص منها.