لعل الناظر في شوارعنا اليوم قد يلاحظ الكثير من المظاهر السلبية التي تشير إلى خفايا ومشكلات جسيمة مترسخة و متجذرة في البنية والنظام الاجتماعي .
ولعل حركة البنيان الاجتماعي هي انعكاس للواقع الاقتصادي والتربوي والثقافي والسياسي وهناك علاقة وثيقة في حركة المجتمع ووظائف أفراده وعناصره و بين مؤسسات التنشئة الاجتماعية ابتداء من الأسرة والمدرسة والجامعة ....الخ
أريد أن أصل بعد هذه المقدمة الاجتماعية الأكاديمية إلى ظاهرة تشرد وتسرب طلاب المدارس .
فعندما تسير في شوارع المدينة ترى الأطفال منتشرين على سور المدارس و على أطراف المساجد و في الحدائق العامة وعلى جنبات قلعة حلب.
مثلا تجد ما يحز في النفس ويبعث في داخلك عزيزي القارئ حسرة وتنهيدة عميقة عندما ترى براءة الطفولة تنتهك على الأرصفة وفي الأزقة والشوارع ليتبادر إليك السؤال التالي :
أليس من الواجب أن يكون هؤلاء الفتيان في المدرسة على مقاعد الدراسة؟
أليس من المفترض أن يحملوا دفاترهم وأقلامهم المبعثرة على الحشيش في الحديقة وأن يجلسوا على مقاعد الدراسة ؟
أليس من المفترض أن هؤلاء الأطفال هم أجيال المستقبل و بصراحة غالبا ما أخشى من المستقبل عندما أرى مثل هذه الظواهر التي تنذر بكوارث تربوية اجتماعية قادمة .
فهؤلاء ما هم إلا مشاريع مجرمين لأنهم تاهت بهم سبل الحياة وألقت بهم في دروب البؤس والتشرد يتشربون قوانينه الشارع التي تمجد المال وتدوس العلم والقيم والأخلاق كما يدوس الطلاب تحت نعالهم كتبهم ودفاترهم ومناهجهم الجديدة التي لا زالت وزارة التربية السورية تطبل وتزمر لها مع أنها مطبقة في الدول المتقدمة منذ عشرات السنين ونحن نأخذ بها على مبدأ أن تصل متأخرا خيرا من أن لا تصل أبدا ...
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن حالا من هو المسؤول عن هذه الظاهرة ؟
... قد يقول البعض إن الطالب هو المسؤول عن نفسه إلا أننا تعودنا في الدراسات والأبحاث الاجتماعية والتربوية التي تتعلق بالطفل أن الطفل غالبا ما يكون هو الضحية , فالطفل غير قادر على اتخاذ القرار بما يتعلق بسلوكه وتصرفاته لأنه لم ينضج ولم يبلغ سن الرشد والبلوغ بعد , وإن وعيه وتفكيره لا زال منحسرا وناقصا ولم يتم بعد بناء شخصيته وتكوينه ولم تتبلور بيئته النفسية والاجتماعية بشكل صحيح لذلك غالبا ما تكون قراراته تجانب الصواب ولا تلامسه بأحسن الأحوال ...
لذلك فإن الطفل أو الطالب في هكذا حالة ما هو إلا ضحية ليعود السؤال وليطرح نفسه من جديد .... من هو المسؤول عن هذه الظاهرة ؟
هل هو ذلك المدير الذي يجلس خلف طاولته يحتسي كؤوساً من الكبرياء والقسوة والعنف واللف والدوران مع المعلمات اللواتي قضين الساعات الطوال في اكتشاف آخر ما توصلت إليه البشرية من فنون التجميل والتزيين وهنا لا نعمم فهناك مدراء اثبتوا أنهم قادة تربويين حقيقيين لما يبذلونه من جهود جبارة من اجل نجاح العملية التربوية والتعليمية في مدارسهم .
بالإضافة إلى الفوضى العارمة التي تعتري الحقل التربوي فلم يحصل الكثير من الطلاب بعد على الكتب المدرسية وخاصة في المرحلة الإعدادية والثانوية وبالأخص الصفين السابع العاشر وها نحن نضع هذا الأمر برسم السيد الوزير الذي وعد تامين الكتب في الأسبوع الأول وها هو الأسبوع الثاني قد مر والعديد من الثانويات والاعداديات لم توزع الكتب على طلابها بحجة عدم توافرها من مديريات التربية , مع أن السيد الوزير قال في مقابلة مع الفضائية التربوية أن هناك كتب تطبع خارج البلد ولم تصل إلى البلد بعد ولم أجد بعد تبريرا واحد لطباعة منهاج تربوي تعليمي سوري خارج سوريا !!!!!!!!! .
أم أن المسؤول عن هذه الظاهرة هو المعلم الذي لا حول له ولا قوة فلديه في الصف أكثر من أربعين طالب ومنهاج جديد مليء بالأفكار والنظريات التربوية الجديدة وجيبه الفارغ فراتبه لا يكفيه ليعيش الحد الأدنى من المستوى المعيشي للكائن البشري .
أم أن المسؤول هو ذلك الأب الذي خرج من بيته مع طلوع الشمس يبحث عن لقمة العيش لأولاده الذين يملئون السغوب واللغوب , لأكوام من اللحم تركها مركونة في زاوية البيت وهو يعمل ليل نهار كي يسد جوعهم في ظل موجة الغلاء التي أرخت بظلالها على المواطنين البسطاء ذوي الدخل المعدوم .
أم تلك الأم التي لا تجيد القراءة ولا الكتابة ولا تعرف استراتيجيات التعليم ولا تفهم في أصول التربية ولا تعرف ماهيات دور التنشئة الاجتماعية ولا دورها في بناء المجتمع واقتصر دورها في معظم الأحيان على أمور الخدمة المنزلية
فمن المسؤول إذن؟؟؟؟؟؟؟؟
لا الطالب ولا المدير ولا المعلم ولا الأب ولا الأم ...............!!!!!!!!
فهل المسؤول هو مشرف المجمع التربوي الذي قد يكون وصل بالواسطة إلى ما وصل إليه لذلك فإن هدفه الأول هو إرضاء من أوصله إلى هذا الكرسي ولو كان ذلك على حساب العملية التربوية .
فهو لا يلقي بالا لهؤلاء الأطفال المشردين الذين يسرحون ويمرحون بجانب احد المجمعات التربوية فما هو الحال في مدارس الريف البعيد عن مركز المدينة .
أم أن المسؤول في هذه الحالة هو السيد الوزير الذي يسعى ويبذل قصارى جهده لأن ينهض بالمستوى التعليمي وأن يستجلب التجارب الغربية في مجال التربية و التعليم ليلبسها لمجتمعاتنا دون الأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية المتردية التي تفتقد الكثير والتي تحتاج إلى الكثير من التطوير والتحديث...
أم أنه هو المسؤول عن هذه الفوضى التي تعتري النظام التربوي لأنه انصاع لتلك القرارات الاعتباطية التعسفية التي صادرت حرية أكثر من ألف ومئتا معلمة بحجج واهية ليزيد الطين بلة وليصب الزيت على النار وليزيد المأساة معاناة وليزيد العقد عقدة جديدة يستعصي حلها إلا بالتراجع عنها والاعتذار من تم مصادرة حقهم في العمل وفي تقرير مصيرهم مع أن حقوق الإنسان تضمن لأي فرد حق تقرير مصيره , إن هذا القرار الذي تم اتخاذه لن تذهب آثاره إلا بعد سنوات أخشى أنها ستكون عجاف وما ترتب عليها من أبعاد وانعكاسات اجتماعية هذه القرارات التي أحدثت خللا في النظام التربوي وطعنت العملية التربوية التعليمية في ظهرها .
أم أن المسؤول هنا هو ذلك الشاب الجامعي الذي تخرج حديثا من الجامعة ولم يحصل بعد على فرصة عمل وهو يبحث ليل نهار عن عقول عطشى ليرويها بماء المعرفة , فما عساه يفعل في ظل هذه الفوضى التي تضرب أطنابها في كافة مجالات العمل التربوي .
وهكذا يبقى السؤال مفتوحا إليكم أعزائي القراء لنعرف معا من هو المتهم المسؤول عن هذه الظواهر ( اقصد ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس ) لندخله معا إلى قفص الاتهام ولتصدر عليه محكمة الطفولة حكمها لينال جزاءه العادل لما اقترفت يداه الآثمتين .
أبو عبيدة / مرشد اجتماعي تربوي