وأخيرا .. تم القضاء على آمال وأحلام بعض خريجي الجامعات السورية الذين قست عليهم عصا بعض أساتذتهم يوماً لا بل أيام وسنوات .. واليوم تلقوا الضربة القاضية من عصا ( بات تأثيرها أشد على اليوم والمستقبل ) ..
نعم .. ( إنه البلاغ الجديد الذي يحرم أصحاب المعدلات الجامعية المقبولة من شغل الوظائف العامة ) ..
لطالما سمعنا كثيرا .. وقرأنا أكثر .. ودرسنا وقمنا بأبحاث عن ما يسمى ( هجرة العقول ) .. هي هجرة للطبقة المثقفة والمتعلمة في هذا الوطن , ولطالما أن معظم من خرج وهاجر ( بغرض الدراسة أو العمل ) من هؤلاء لم يعود ومنهم من قرر بأنه لن يعود ..
هي هجرة للبحث عن الذات .. للبحث عن مستقبل أفضل .. عن العيش الأفضل .. عن الاحترام الأفضل .. من المؤسف والمعيب أن أحدنا يجد ذاته في غير وطنه .. أن يبحث عن الأفضل في غير وطنه .. لكن من المنطقي أنه عندما نبحث عن الوقائع علينا أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى هذه الوقائع ..
تعودت في كتابة موضوعاتي هنا أن أطرح الإشكالية للنقاش علّني لا أحبذ إطلاق الأحكام المسبقة على الأشياء والموضوعات قبل أن يتم التمحيص وراء تداعياتها ..
قد يكون مَن سن مثل هذا القرار أو البلاغ ( سمه ما شئت ) على حق .. وقد يكون على باطل .. إلا أنني شخصيا أرى هذا البلاغ مجحف وظالم بحق بعض أولئك الخريجين الجامعيين الذين لطالما وجد بعضهم في هذه الشهادة الجامعية منفذا ومتنفسا لشغل وظيفة في الدولة يسد من خلالها شيئا من حاجاته الأساسية .. والبعض الذي كان يحلم بأن هذا الدخل الشهري قد يكون في يوم من الأيام سندا وعونا له في سنين حياته ..والبعض الآخر الذي حاول أن يقنع نفسه بأن هذا الدخل من هذه الوظيفة قد يمنحه فرصة التفكير بالخطوبة و الزواج ...
أقف اليوم أمام مثل هذه القرارات لأتساءل :
- لماذا لا يحق لهذا المواطن المتعلم الذي أمضى سنوات في الدراسة بأن يتقدم لشغل وظيفة عامة من وظائف الدولة ؟
- منذ متى تحدد المعدلات الجامعية ( في جامعاتنا بالذات ) المستوى العلمي والثقافي والقدرات العلمية والعملية لخريج جامعاتنا ؟
- إلى متى سيبقى مستقبل الشباب في مجتمعنا وتوفير فرص عمل لهم ( خصوصا خريجي الجامعات ) هو في أيدي مجموعة من الأشخاص الذين لا يدركون أو يدركون أبعاد ونتائج مثل هذه القرارات على مستقبل فئة كبيرة من الشباب المتعلم الذي يملك شهادة جامعية باتت اليوم بعد هذا القرار ليست إلا قطعة من الورق المقوى تزين حائط ما في منزل أحدهم ؟!
بعد هذا .. أتساءل : هل بات من يحمل شهادة جامعية في مجتمعنا سيان مع مَن لا يحمل شهادة جامعية ( من حيث توفر فرص العمل ) ؟؟ لا بل أن من غادر الدراسة وتفرغ للعمل هو اليوم في موقع أفضل ( ماديا ) , وذاك الذي اختار طريق الدراسة ليضمن مستقبلا ما وعملا ما يوما .. ذهبت سنين دراسته أدراج الرياح .. واليوم نخرج لنقول له : ( مبروك التخرج بدرجة مقبول ) .. عليك الآن أن تمضي بقية حياتك في البحث عن عمل خاص .. أو البحث عن عمل ما في قطاع خاص .. أما عن إمكانية الحصول على عمل مرتبط بمجال دراسته .. فسنقول له : ( انسى ذلك يا عزيزي ) ..
لا أعلم .. قد يكون مثل هذا القرار هدفه تحفيز الطلاب الجامعيين على الدراسة والمثابرة والحصول على المعدلات الجيدة .. لكني شخصيا أستبعد مثل هذه الأهداف الايجابية التي قد تصب أحيانا في مصلحة الطالب خصوصا أن معظم طلابنا يعلمون أن الحصول على معدلات عالية ليس بالأمر السهل وخصوصا في بعض الاختصاصات الجامعية .. وأن هناك ما يسمى بــ ( نسبة نجاح ورسوب ) يجب أن تتحقق في كل مقرر دراسي .. كما يقررها بعض الأطراف كعميد الكلية أو رئيس الجامعة أو غيرهم ..
بعد كل هذا وذاك .. ويأتي البعض ليسأل شبابنا :
- لماذا تفكر بالهجرة والسفر خارج القطر ؟
- لماذا تختار العمل والدراسة والبحث في بلاد لم تكُ يوما بلادك .. وتغادر وطنكَ الذي هو أحق للعمل فيه والدراسة والانتاج العلمي والعملي ؟
- لماذا تختار الهجرة والغربة وعناء الغربة والبعد عن الوطن والأهل والأصدقاء .. للعمل أو الدراسة .. ألا يمتلك وطنك وشعب وطنك الحق في أن تقدم له ولهم الفائدة التي قد تقدمها يوما في بلاد الغربة ؟
بعد كل هذه التساؤلات التي سنوجهها لأحد شبابنا .. أتوقع أن يكون الرد على الشكل التالي :
( وماذا حين تشعر بهذه الغربة داخل وطنك ؟ هل اختبرتَ هذا الشعور يوماً ) ؟
أرى بأن هذه القضية خطيرة وذات تأثير سلبي للغاية .. وستظهر أبعادها ونتائجها في المستقبل القريب وستشاهدون ارتفاع نسبة الهجرة من فئة الشباب خارج هذا الوطن بدموع فراق وحرقة ممزوجة بالأمل في بلوغ حلم أو هدف أو طموح وُلِدَت يوما في هذا الوطن لكن الظروف والأقلام التي سنت مثل هذه القرارات حالت دون تحقيقها داخل هذا الوطن ... وبدأت رحلة البحث عن الذات .. عن الأمل .. عن المستقبل .. خارج ربوع هذا الوطن ( مع الأسف ) ..
ما رأيكم أعزائي ! هل اختبرتم يوما هذا الشعور ( أن تشعر بالغربة وأنت في وطنك ) ؟
أترك النقاش لكم حول هذا القرار أو ( البلاغ ) كما شاءوا تسميته .. ( أبعاده , أسبابه ونتائجه ) ..