نظر إلى واجهة محل الخضار وأعجبته التفاحة, فكر لأول وهلة بسرقتها , لأن الشهوة تسيطر على العقل في بعض الأحيان. تصارع مع ضميره بضع ثوان. منعه من سرقتها وخاطبه قائلاً: "ما ُقدِر لذائقتك أن تذوقه... فلابد أن تذوقه , فكله , ويحك , بعزّ ولا تأكله بذل"
دائما يصحو ذلك الضمير في الوقت المناسب.... لماذا لا ينام كما هو عند بعض المسؤولين.
تركها وهو يفكر بطعمها ويتخيل مدى حلاوة عصارتها, وكيف سيأكلها بقشرها دون أن يترك شيء منها.
ناداه صوت عال من السيارة " تحرك يا حمار ليش واقف بنص الطريق"
يلتفت إلى الوراء ويركض للطرف الآخر .. كادت تدهسه تلك السيارة لكنه نجا منها فهذا الموقف يحدث معه كل يوم.
فقد كان ذلك السائق أديباً معه واكتفى بنعته "بالحمار" فقط!! وهو يتلذذ بسماع هذه الصفة, لأنه عندما يناديه أحدهم بهذا الاسم يتذكر مقولة عزيز نيسن:
"كنا , نحن معشر الحمير , سابقاً نتحدث بلغة خاصة بنا , أسوة بكم معشر البشر, هذه اللغة كانت جميلة وغنية , ولها وقع موسيقي جذاب ,كنا نتعلم ونغني . , لم نكن ننهق مثلما عليه الحال الآن , لأن النهيق بدأ عندنا فيما بعد , وتعلمون أن جميع رغباتنا وحتى عواطفنا , نعبر عنها الآن بالنهيق"
فقد قرأ هذه القصة على قصاصة ورق , كانت تلف بقايا سندويشة فلافل قرب أحد الحاويات.
عاد ليفكر بهذه التفاحة وكيف سيأكلها وهو لا يملك ثمنها , رجع إلى ذلك المحل ووقف أمامه يتأمل تلك التفاحة تكاد عيناه تلتهمها قبل أن يلتقطها بيده, لاحظ صاحب المحل وجوده الغير طبيعي وحاول إبعاده عن واجهة محله لكنه لم يلتفت إليه وظل محدقا في تفاحته . ولما رأى صاحب المحل تركيزه على كوم التفاح دخل المحل, وخرج وبيده تفاحة وأعطاه إياها وقال له "اغرب عن وجهي, فلقد شوهت الواجهة بوجودك القذر أمامها"
لم يكترث بما سمعه من الرجل فلقد حصل على ما يريد بأقل الخسائر... (توبيخ تعودت أذناه على سماعه بسبب وبدون سبب كل يوم) راح يتأمل شكل التفاحة وهو ذاهب إلى مكان جميل ليمارس طقوس "أكل التفاح", وصل إلى أعلى الجسر... رأى السيارات مسرعة تمر من تحته , المشهد جميل شيء يشبه ما يسمى بالنظرة الفوقية , نعم هذا هو الوقت المناسب للأكل... أمسك التفاحة بقبضتي يديه , وأخذ ينهشها كما يأكل الجائع رغيف الخبز من كل الجهات.
فوجئ بالمنظر ...كانت جميلة من الخارج , مفعمة بالديدان من الداخل, أغمض عينيه , تردد صوت في داخله "لن يدمر الدود حلمي"... تابع نهشه, لم يأبه للديدان , فقد حصل على وجبة دسمة ولا مانع بقليل من البروتين الذي لم يعرف الطريق إلى معدته يوماً.
شعر بالإغماء, بدأ يترنح بكل الجهات سقط شاقولياً من أعلى الجسر على الأرض بطريقة "تفاحة نيوتن"
دهسته إحدى السيارات الشاحنة دون أن تشعر به ...تبعثرت أشلاءه , وذهب من نار الأرض إلى جنة السماء, فمثله لا يستحق العيش على أرضنا .
كل شيء بدأ بتفاحة , وأنا أكن احتراماً كبيراً لآدم , لأنه يوم قرر أن يأكل التفاحة , لم يكتف بقضمها, بل أكلها كلها , كان يدرك أنه ليس هناك من أنصاف خطايا ... ولا أنصاف ملذات , ولذلك ليس هنالك مكان ثالث بين الجنة والنار, وعلينا نحن – تفادياً للحسابات الخاطئة – أن ندخل إحداهما بجدارة