قرأت كتاباً لأحد الأطباء المتدينين يتكلم فيه عن الشفاء بأبوال الإبل وأجنحة الذباب مستشهداً بأحاديث ونصوص دينية مضى عليها أربعة عشر قرناً من الزمان .
كان حريصاً على أن يستسلم لما ورد في أحاديث يُفترض أنها صحيحة ، وهي من المسلّمات بالنسبة له وأنا أحاول أن أرى مكاناً لهذه الأحاديث في عصرنا الحاضر عصر العلم والتقنية.
فالثقافة هذه أثبتت فشلها اليوم خصوصاً أن أصحابها يريدون التمسّك بها على أنها مسلمات لا يجوز ولا يجرؤ أحد على مناقشتها في الوقت الذي يريدون أن يكفّروا العلمانية التي تحوي إيديولوجيات أثبتت كفاءتها في دول سبقتنا بمراحل من خلال إقامتها للعلمانية .
فالعلمانية اليوم هي الثقافة والفكر والأيديولوجيا الأكثر واقعية أمام دارسيها والمتعرفين عليها ، فيما يرفض الآخرون التعرف عليها ويريدون اتهامها من وراء الأقنعة والحجب ، ومن وراء نقاب يأبى أصحابه إلا الاستمساك به على أنه موروث ديني لا يمكن التشكيك فيه أو وضعه تحت مجهر التقييم خوفاً من الوقوع في الإثم ، كما هو الحال في باقي المسلّمات لديهم .
هذا الخوف هو الذي وضع الكثيرين تحت دائرة الانهزام وهم يتمسكون بهذه النصوص التي أتت من ثقافتهم الدينية المتجذرة في عقولهم وقلوبهم ولا مجال عندهم ليس للشك بها ولكن حتى لتأويلها لتتناسب مع العصر .
فالمسلّمات تبقى مسلّمات ولو جاءت نظريات علمية بعكس ما جاء به هذه النصوص .
فكيف يمكن أن يقبل عصر العلمانية فكرة أن على الواحد منا إن سقطت ذبابة في كأس الماء الذي يشربه أن يغمسها كلها ثم يشرب هذا الكأس كله ؟ ألا يتبادر للذهن بديهياً أن يقوم المرء بشرب كأس آخر نظيف ؟
وكيف يمكن لعصر العلمانية أن تتقبل فكرة التداوي بأبوال الإبل ؟
وكيف يمكن لعصر العلمانية أن يتقبل هذه الثقافة التي تحوي بين طياتها ما لا يتناسب مع العصر ومع العلم والحضارة والتقدّم ؟
إننا نعيش اليوم أزمة ثقافات متعددة ، تحاول كل ثقافة أن تثبت نجاحها على أكتاف ثقافة أخرى ، فكيف يريدون أن يبنوا ثقافتهم - ثقافة
أبوال الإبل وأجنحة الذباب - على أكتاف ثقافة العلمانية التي أثبتت نجاحها ، في حين نعيش اليوم في عمق التخلف والتقهقر للوراء ؟
كان الأولى بهم أن يدفعوا بأمتهم للأعلى لا أن يشدوها للأسفل.