يكاد لا يمضي يوم بدون أن التقي فيه الأصدقاء و العائلة و زملاء العمل و أيضاً لا يمر لقاء بدون أن تمر الأحاديث و الشكاوى المعتادة, فهذا الذي يشتكي سيارته و غلاء قطع الغيار لها و هذا الذي يشتكي من غلاء الأسعار (و المازوت خصوصاً) و الأخر يتذمر من أهله و عدم سماحه له بالسهر و تلك التي لاتستوعب كيف أن اهلها لم يشتروا لها قطعة ثياب "مع العلم أن ثمنها خيالي" أو حتى الشباب الذين يشتكون من عدم توافر الشريك في حياتهم.
و انا في طريقي للانغماس في هذه الشكاوى, مررت و انا خارج من مكان عملي قرب مدرسة ابتدائية للبنات, على بابها الخارجي وقفت طفلة تقارب الثامنة أو التاسعة من العمر, فائقة الجمال تبيع الفستق بالسكر, زرقاء العيون و بيضاء البشرة, لا يعيبها إلا دموعها المنهمرة و نظرة الأسى على محياها.
لا أعرف ما الذي شدني للذهاب و التحدث مع هذه الفتاة, و بعد محادثة ليست بالطويلة عرفت انها حزينة لأنها ترغب في تقليد البنات الذين يخرجون كل يوم من باب المدرسة و ارتداء "الصدريات" الزهرية و حمل حقيبة مرسوم عليها ما هو شائع بين الاطفال هذه الأيام ك"ستروبيري" و "high school musical" و بطله معشوق فتيات المدارس "زاك".
لكن والدها يجبرها على الذهاب كل يوم و بيع ما تحمل (متجاهلاً قانون التعليم الالزامي).
طبعاً نشاهد كل يوم العشرات من هذه النماذج, لكن بعد ان اشتريت الفستق و سرت في طريقي, مرت أمام بصيرتي شريط محادثاتي اليومية و ما تحمل من تذمر و شكوى. و فجأة وجدتها جميعاً ساقطة أمام حلم هذه الطفلة الذي نعتبره من منسياتنا.
ليس الهدف أن أناقش دور المؤسسات الحكومية الخاصة بمثل هذه القضايا, و لا أن نعتبر كل هذه مشاكلنا نكرة و ان نكون سعداء بارتفاع الأسعار و نسير و الابتسامة على وجوهنا لعدم وجود الشريك, لكن لنتذكر دائماً ان هناك من هو في وضع أسوأ منا, و أنه ما توفر و يتوفر لنا قد يكون حلماً للبقية.
و بذلك سنتغلب على مشاعرنا السلبية التي أكاد أجزم أنها لا تبارحنا و ننظر إلى كل يوم بمزيد من الشكر و السعادة و الرضاء.