تعددت المفاهيم و المتصل واحد
المشكلة أن فهمنا لهذا ال"الاختراع " الأكثر من رائع و الأكثر من تقني دخل في "منظومة" تسييسنا الخاص و"الهادف" في آن معاً .. و صار كل منا يغني على ليله لفهم حمله لجهاز الموبايل ..
هو مصدر قلق ل"أبو وسيم" معقب المعاملات في المكتب .. لأنه عندما ينهي أعماله التي كان من المفروض أن ينهيها خلال أسبوع من تاريخ استلامها و بناءً على ذلك فقد استلم كامل مستحقاته عن هذه المعاملات "سلفاً" لأنه يثق بحسن أدائه " و بشبكاته" الكفوؤة التي تخدمه في كل مكان –بدون ما حدا يفهم الكلمة غلط- و بالتالي فهو ينفذ المطلوب منه بالمدة التي يحددها .. و غريب أن نتصل به بعد خمسة أشهر و نسأله "شو صار معك؟" ..لذلك هو يفصل الاتصال مراراً و تكراراً .. حتى نفهم أنه عندما ينهي الأوراق .. سيحضرها لنا .. و بكل بساطة .. !!
هو مصدر ازعاج لزوجي و أصدقائه .. و كالزوجة "الأولى" يلحق و يتربص بهم حيث لا يريدون أن يلحق بهم!!
و هو مصدر تعب لمديري .. لأنه لا يقدر على الرد على أربعة خطوط خليوية يحملها في آن معاً .. لزوم الوجاهة .. و غيره و غيره ..
بينما أن الغاية السامية من حمل هذا الجهاز .. هو أن تتمكن من تطويعه ليصبح خادماً أميناً لك .. ببعض الترشيد لسلوكك التقني .. و الآدمي .. تجاهه .. و تحوله ليخدمك .. بدلاً من أن تعيش عمرك .. كله .. تحت أمره و لخدمته
هو على سبيل المثال لا الحصر .. للاتصال بأولادك و معرفة تحركاتهم بطريقة سليمة و واعية .. ليبقوا تحت أنظارنا كأهل..
و وسيلة للاتصال بعملك .. مصدر رزقك .. لمتابعة ما يجري و يحدث ساعة بساعة .. و دقيقة بدقيقة ..
و وسيلة ترفيه عن النفس و أنت تستقبل رسالة ظريفة من شخص ظريف .. يعايدك أو يتمنى لك أمنية طيبة .. و يذكرك بالأيام الحلوة .. و العيش و الملح ..
و هو وسيلة .. نعترف بأنها أصبحت مجدية .. بسبب ضغوط الحياة الكثيرة .. لنصل أرحامنا المتقطعة و المنتشرة بكل بقاع الدنيا ..
أخوك الذي يعمل بالسعودية .. و خالتك التي تسكن مع زوجها في مدينة غير مدينتك .. و عمك الذي تكره زوجته أن تقرع الباب عليها بالسؤال عنه .. ظناً منها أنك تسعى لترث منه و هو في أواخر أيامه .. و لا تفهم أنك تقف إلى جانبه في أحلك أيام عمره .. و كثير غير هذا .. وذاك
أما عن "مفاهيمنا الخاصة لفصل الاتصال بنا" فعن هذا الموضوع حدث و لا حرج:
بكل مرة اتصل فيها بصديقتي و تفصل اتصالي بها يعلو صوتي عليها أن رجاءً أجيبي على اتصالي و لا تفصليه لأن أعصابي تتلف و تستهلك و أنا بانتظار إعادة اتصالك بي لأطمئن إن كنت قد تحسنت أم أنك لازلت تعانين الحمى و يأتي الجواب و بمنتهى البرود:
- معنى أني فصلت اتصالك واضح أنني أتحدث على الهاتف الأرضي و عندما أنهي الاتصال .. سأعاود الاتصال بك على الخط الأرضي .. و ما في داعي لأن تخسري 4 ليرات .. قيمة المكالمة
و بالمقابل .. "معليش" اخسر 1000 حريرة من حرق الأعصاب و التوتر.. و خسرت بدلاً عن ذلك: اتصالاً بابنتها التي تسكن مع زوجها بعيداً عن أمها حتى أطمئن عنها و إن كان هناك أية تطورات سلبية في حالتها المرضية و خسرت كذلك اتصالاً آخر بابنها الذي كان في مكتبه ..
و الأروع .. أن الأولى كانت تستحم و وعدت بمعاودة الاتصال بعد دقائق .. يعني دقائق أخرى من الانتظار.. و حرق الأعصاب.. و الثاني أجاب أنه خرج لعمله منذ الصباح .. و لم يرجع للبيت مذ ذاك.. و تركها في الصباح و هي على حالتها السيئة .. و بالتالي لم يزدني حديثي معهما إلا انشغالاً أكثر..
و تدخل "أم أحمد" التي اتفقت معها مؤخراً على تنظيف المنزل بعد أن ساءت أمور "نوال" العائلية .. و الاقتصادية و العاطفية و الأمنية .. و صارت هي و زوجها مطلوبين قانونياً بسبب تشغيل بناتهم الأحداث ببيوت الآخرين.. و هرب زوجها من وجه العدالة لأنه تزوج من إمرأة متزوجة من آخر غيره و هي لا تزال على عصمته .. و أنجب منها طفلة غير مسجلة للآن و صار عمرها أكثر من سنة.. و صارت في كل مرة تدخل فيها من الباب تحمل بجعبتها كارثة إنسانية أكبر من سابقتها .. و لكثرة ما حملت من هموم صارت غير قادرة على العمل مجدداً ...
و أخبر "أم أحمد" أنني استنفذت أعصابي و طاقتي و أنا اتصل بها و هي تفصلني في كل مرة !
- موعد حضورك حسبما اتفقنا البارحة مساءً الساعة التاسعة و الساعة الآن تجاوزت العاشرة و النصف و أنت أكدت انك ستحضرين على الموعد .. و هذه هي المرة الأولى التي تحضرين فيها للمنطقة التي أسكن فيها .. و خفت أن يكون العنوان الذي أعطيته لك غير واضح كفاية .. أو أنك قد لا تأتين أصلاً بسبب الهطل الغزير للمطر و الثلوج .. المهم أنني اتصلت بك الساعة التاسعة و الربع.. و الساعة التاسعة و خمس و ثلاثون ..و الساعة العاشرة و في كل مرة كنت تفصليني ..لماذا!!
حتى أن أعصابي أخذت تتوتر و بدأت بأعمال التنظيف لأن هذا المفهوم " مفهوم فصل الاتصال " لدى "نوال" .. التي كانت تنظف لي البيت سابقاً هو أنها لن تأتي و عندها كم من المشاكل لم و لن تنتهي و ربما أن هذا يحمل نفس المعنى عند "أم أحمد" ..
و هاهي " أم أحمد" تدخل و ببرود ترفع الغطاء عن رأسها .. و تضحك .. بفم يكاد يكون خالياً من الأسنان و الأضراس..
- يا روحي.. معنى اني فصلت اتصالك .. إني جاية عالطريق .. و ما في داعي أن أخسرك 4 ليرات .. قيمة المكالمة .. مادمت آتية ..
غريب .. أنني لم أفهم .. و الأغرب أنني لن أفهم .. و الأكثر غرابة أن لكل شخص مفهومه الخاص عن فصل اتصال الآخرين به .. و يفترض أن يكون الطرف الآخر " المتصل به " على دراية و معرفة بهذا المفهوم .. مثله تماماً و أن هذا سلوكه –أصلاً- بالرد على اتصال الآخرين ..
مع أن هذا المفهوم هو:
- عند زوجي .. أنه قد وصل على باب المنزل و أنه ينتظر بالسيارة خارجاً و أني يجب أن أخرج إليه بسرعة .. أو بالأحرى أسرع من الطلقة .. و يستغرب .. في كل مرة . طبعاً.. لأني تأخرت عليه خمس دقائق .. و أنا كما هو يعلم جداً .. لا أضع غطاء رأسي و لا أرتدي حذائي .. وراء باب البيت كما هو العرف عند عامة الناس .. إلا بالدقيقة الأخيرة قبل خروجي من المنزل و أنه علي أن أقفل الباب بقفل ال "3" طقات و هذا كله أكيد و بحركة رياضية سريعة (تعودت على إتقانها) لا يأخذ معي أكثر من 4-5 دقائق و بكل مرة ..
يجيب على سلامي له و أنا أصعد السيارة .. ب "تأخرت كعادتك" .. بالرغم من أنه هو لم يتصل بي قبل وصوله بخمس دقائق ليطلب مني الخروج لأكون على الوقت تماماً .. بل أنا التي اتصلت به لانشغال بالي عليه لتأخره بالوصول .. ..
و كان معنى أنه فصل اتصالي .. أنه وصل و أنه بالخارج .. ينتظر .. و أنني يجب أن لا أتأخر عليه..
- وعند جارتي أنها قد رجعت من مشوارها و وصلت المنزل و بعد دقائق ستتصل من هاتفها الأرضي و بالتالي تكون قد وفرت علي كلفة الاتصال .. و هي لا تجيب على اتصالي بها حتى لو أعدت الاتصال مجدداً لأعلمها أنني أعتذر عن انتظار اتصالها بي لأني مضطرة للخروج من البيت لسبب طارئ و تكلفني الجهد و المال مضاعفين .. إذ اضطر أن أكتب لها رسالة عن عذري لعدم تمكني من انتظار اتصالها حسب موعدنا و من المعيب أن لا ألتزم بموعدي معها ..
- و عند "سمر" جارتي الأخرى أنها تمر بحالة نفسية سيئة و أنها لا تجد ما تقوله مبرراً عما تمر به من حال سيئة و بالتالي فهي تفضل الصمت و عدم الرد و عندما تتحسن حالتها النفسية ستتصل بي مجدداً .. و كأننا أصدقاء فقط وقت "الحلوة" و ليس "على الحلوة و المرة" كما يقولون!! هذا مع العلم أنها تستغرب السؤال بالرغم من أن حالتها تلك استمرت مؤخراً لمدة طالت لأكثر من أربعة أشهر..
- و عند "عمر" صديق زوجي معناها أنه مشغول و عنده زبائن بالمحل و عندما "سيفضى" سيتصل .. و قد لا يتصل .. فهو مشغول .. طالما هو بالمحل.. لا يمكنه الرد على الاتصال .. بس المشكلة الأساسية .. تتلخص بسؤال واحد يتيم.. هو لماذا يحمل الجوال .. إن كان لا يستطيع الرد ..
- و أما عند "علي" سائق التاكسي الذي كان يقوم يومياً بإيصالي للمكتب صباحاً عند الساعة التاسعة من كل يوم .. فهذا يعني عنده أنه بمحطة الوقود و عندما ينتهي من تعبئة السيارة سيرد .. لأنه ممنوع استعمال الجوال أثناء تواجده بمحطة الوقود .. و كأن موعده اليومي لإيصالي هو موعد قد فاجأه .. و أن هذا الأمر غير مرتب له مسبقاً
- و عندي مفهومه أني أوفر على بنات أختي قيمة الاتصال بي و أني سأقوم فوراً بمعاودة الاتصال بهن لانهن دائماً .. يشتكين .. " خلصوا الوحدات ..." و أنا أساعدهن بإعطاء العذر لهن و بأني أكتفي بأن أتلقى أي اتصال منهن و أنا أتكفل بمعاودة الاتصال بهن .. "توفير يعني"..
الحقيقة أن كل ما سبق و كل ما سيأتي و يلحق معناه وحيد و يتيم.. أننا و للأسف نفتقد " السلوك الحضاري لتقنيات الحياة الجديدة" و التي من المفروض أن مخترعها عندما قام باختراعها كان لا يفكر بشيء غلاط أن يروض هذه التقنيات و يضعها لخدمة انسانيتنا .. و أكيد أنه لم يكن و لا لأي سبب مما ذكرته .. و مما فاتني –لكثرته- أن أذكره
و دمتم
