تأتي أهمية صدور المرسوم التشريعي رقم 61 والذي يعطي الحق لأي مؤسسة فردية أو شركة بإعادة تقويم أصولها الثابتة بما فيها العقارات وبما يتناسب مع قيمها الفعلية بتاريخ إعادة التقدير إلى مجموعة من الأسباب هي :
1 – أنه جاء في التوقيت المناسب والذي يضع عملية تحويل الشكل القانوني للمؤسسة أو الشركة في إطارها التنظيمي القانوني من جهة وفي إطارها المحاسبي من جهة ثانية ليملأ بذلك الفراغ الذي كان سائداً في التشريع لعملية إعادة تقويم الأصول الثابتة عند تعديل عقد الشركة أياً كان نوعها وشكلها القانوني ، وقد جاء ذلك في الوقت الذي تفكر فيه الكثير من شركات التضامن والتوصية البسيطة بتحويل شكلها القانوني إلى شركات مساهمة بعد أن بدأت انطلاقة العمل في سوق الأوراق المالية في سورية
2 – ولأنه جاء ملبياً أيضاً لتطلعات المالكين من خلال تبيانه وتوضيحه لآليات إعادة التقويم واعتبار ذلك بمثابة حق مشروع لهم إضافة إلى تسهيلات أخرى تتضمن تطمينهم وتشجيعهم على إجراء عملية تحويل الشكل القانوني إلى شكل أرقى وأكثر فائدة لهم وللاقتصاد الوطني انطلاقاً من تمكين القطاع الخاص من مشاركة أوسع في خلق القيمة المضافة وزيادتها ومن أداء دور تنموي أكبر في مجال تكوين الاستثمارات المتوسطة وكبيرة الحجم وتوسيعها وتنوعها
3 - وقد جاء أيضاً ليحافظ على حقوق الغير من دائني الشركة أو المؤسسة حيث أجاز لهم حق الاعتراض وإقامة الدعوى عندما يرون أن تحويل الشكل القانوني للشركة أو المؤسسة يضر بمصالحهم الخاصة ،ولأنه جاء كذلك فقد أتى مراعياً لكل الأطراف ذات الشأن ، وفي نفس الوقت فإنه لم يتجاهل منطلقه الأساسي ولم يحد عن هدفه الرئيسي وهو المصلحة العامة بالدرجة الأولى في إطار تنمية موارد الموازنة العامة للدولة ومنع التهرب الضريبي
4- ولأنه وضع القواعد المحاسبية والآليات اللازمة لهذا العمل وقد جاءت متكاملة ومتناسقة حيث وضعت في إطار تنظيمي و قانوني لا لبس فيهما من حيث الشكل والمضمون ومن الملاحظ أن صياغته بعبارات مختارة تخصصية وقانونية جعلته واضحاً بكل ما جاء فيه وكأنه لا يحتاج لتعليمات تنفيذية أما محتواه فقد فند وعدد وأورد كل ما هو لازم وضروري لعملية التشريع مضمون المرسوم المذكور
ومن خلال تطبيقه على أرض الواقع نرى بأنه واجه مشكلات عملية في معظمها ذات طابع محاسبي يعرفها ويعترف بها المختص بهذا الشأن ، ويمكن إجمال هذه المشكلات على شكل ملاحظات هي :
أ – لقد شدد المرسوم على عمل الجهة المحاسبية المعتمدة لإجراء عملية إعادة التقويم وأجاز بحقها فرض عقوبة الحرمان من مزاولة المهنة لمدة خمس سنوات عندما يثبت لدى القضاء بحكم مبرم عدم صحة القيم الواردة في ميزانية إعادة التقدير التي اعتمدتها وصادقت عليها ولذلك مبرره من ناحيتين :
الناحية الأولى: تستدعي من الجهة المحاسبية توخي الدقة بعملها لتكون مسؤولة عنه يشكل كامل لأن الأخذ به وبنتائجه هو أساس عملية التحويل والانتقال من شكل قانوني إلى آخر ويترتب على إقرار اللجنة بعدالة قيم الموجودات المعاد تقديرها آثار كبيرة وكثيرة على مختلف عملية التسوية المزمع القيام بها ولتحقيق ذلك عليها أن تستشير خبراء وفنين ومهندسين من اختصاصات مختلفة فالأمر لا يتعلق فقط بالخبرة المحاسبية وإنما يتعداه إلى أنواع أخرى من الخبرات كتلك التي تتعلق بالعقارات وأسعارها وتكلفتها أو بالسيارات أو الآلات أو العدد وغيرها وبالمحصلة فإن النتائج النهائية المصدقة من قبل الجهة المحاسبية يجب أن تعتمد على تقارير فنية وتخصصية لكل نوع من أنواع الأصول الثابتة المختلفة المعاد تقديرها
ولان جاء المرسوم المذكور ليحملها كامل المسؤولية عن عملها فإن عليها تحمل ذلك والاستعانة بآخرين لأداء دورها من خلال تفويضها لجهات فنية بصلاحياتها فقط في هذا الشأن دون التهرب من المسؤولية أو نقلها إلى تلك اللجان الاستشارية المساعدة لإنجاز عملية التقويم وإعادة التقدير
والناحية الثانية : تتعلق بالمغالاة في تقويم الموجودات الثابتة مما يزيد من قيمة صافي موجودات الشركة المندمجة واستحواذ أصحابها من المالكين القدامى على عدد أكبر من الحصص أو الأسهم العينية التي تصدر مقابل تقديم الشركة المندمجة لأصولها وقبولها من قبل الجهة الدامجة بعد إعادة تقديرها (المبالغ فيه) وذلك قد لا يوفر العدالة والمساواة مع المساهمين الجدد مما يجعل عملية الاكتتاب غير مشجعة بالقدر الكافي وذلك يحدث عند تحول شركات الأشخاص إلى شركات أموال أما عندما يتعلق الأمر بإعادة تقويم موجودات شركة مساهمة فإن المغالاة في تقدير قيمها يؤدي إلى وجود فائض إعادة تقويم يزيد حقوق الملكية ويساهم بشكل كبير في رفع قيمة العلاوة عند إصدار أسهم الحلقة الثانية أو إلى إجراء توزيع لأسهم مجانية لمقابلة عملية زيادة رأس المال يستفيد منها المساهمون القدامى وفي هذا المجال يجب ألا يترك أمر تحديد قيمة العلاوة للشركات ذاتها وإنما لعوامل موضوعية وعلمية أخرى
ب – وفق معيار المحاسبة الدولية رقم (16) فإن عملية إعادة التقويم تشمل كامل الصنف الذي ينتمي إليه الأصل ومن هنا يمكن القول بمقابلة فائض التقويم لأصل ما مع النقص في قيمة أصل آخر من نفس الصنف فإذا كانت النتيجة فائضاً يقفل في حقوق الملكية وهو بذلك لا يتعلق بحساب الدخل بينما إذا كانت النتيجة خسارة فإنه يعترف بها كمصروف يحمل لحساب الدخل يخفض الأرباح الحقيقية ويؤثر سلباً على حساب الضريبة وبذلك فإنه بعد سنة من التسوية المنجزة بعملية التحويل وحسب ما جاء بالمرسوم فإن الدوائر المالية تعتمد على ميزانية التسوية بعد التحويل أساساً لتكليف السنوات اللاحقة وتكون الشركة بذلك قد استفادت مما يلي :
1 - من عدم تطبيق الضريبة على الفروق الايجابية الناجمة عن عملية إعادة التقدير
2- من زيادة رأسمالها بإضافة فائض إعادة التقويم إليه دون اعتبار هذا الفائض ربحاً حقيقياً يخضع للضريبة
3– من احتساب أعباء الاهتلاك للسنوات اللاحقة على أساس القيم المعدلة وهي تزيد من قيمة المصاريف في حالة الزيادة الايجابية لقيم الأصول وبالتالي فهي تقلل الأرباح الخاضعة للضريبة وإذا ما اعتبرنا أن ذلك كان مقصوداً لأغراض تشجيع الشركات أو المؤسسات على إجراء عملية التحويل من شكل قانوني إلى آخر فإن رسم التسوية وقدره 2% يعتبر زهيداً جداً إذا ما قورن بمعدلات الضريبة المعتمدة على الأرباح الحقيقية لأي من الشركات أو المؤسسات مهما كان شكلها القانوني
3 - إن موضوع شهرة المحل بأعتبارها من الموجودات الثابتة المعنوية يطرح تساؤلات كثيرة عن طريقة تقويمها وذلك إذا ما كانت مثبتة سابقاً أو غير مثبتة وكيفية قياسها وتقديرها بطرق واقعية ودقيقة ، علمية وموضوعية ، لعدم المغالاة في هذا التقويم حيث وقد أثار موضوع إعادة تقديرها أموراً إشكالية كانت مجالاً للجدل القائم بين أصحاب رأس المال من جهة وبين الجهة المحاسبية المعتمدة في عملية إعادة التقويم من جهة أخرى وقد أتت التعليمات التنفيذية على أن يتم اعتبارها شهرة مولدة داخلياً و بالتالي لا ينظر إليها عند إعادة التقويم ولكن أمر تقييم الشهرة يبقى إشكالياً له مؤيدين وله معارضين
وعلى الصعيد التطبيقي وبعد أن انتهت مهلة الاستفادة من المرسوم آخر عام 2010 درست الحكومة إمكانية تمديدها و أعدت مشروعاً بذلك خاصة وأن الأجواء العامة السائدة تشير إلى أن الكثير من الشركات العائلية حسمت أمرها باتجاه إعادة التقييم لأصولها والتحول إلى شكل قانوني أوسع أفقاً لنشاطها يفسح المجال أمامها لتحقيق ربح أكبر من خلال الاستفادة من ميزات المرسوم عدا عن أن الجهات الحكومية المعنية نفذت عملية ترويج وإعلان بما يخص ميزات المرسوم بحيث غدا أكثر وضوحاً وتفهماً وبالمحصلة فإني أرى في هذا المرسوم ما يحقق منفعة الشركات ومصالحها الخاصة بما يتوافق مع النفع العام والمصالح الاقتصادية والمجتمعية وفي ذلك حكمة واتجاه صحيح وتطور جيد على صعيد التطبيق العملي للتشريعات الناظمة للعمل عبر تعليمات تنفيذية مرنة تقرّ بمصالح كل الأطراف المعنية وتأخذ بالاعتبار رأي الجمهور المستهدف من هذا التشريع
وأخبراً لا بد من القول بأن صدور المرسوم التشريعي رقم (61) والاتجاه نحو تمديد مدده أو إبقائها مفتوحة مع ضرورة وجود مرونة كافية في التعليمات التنفيذية وتوضيح الخطوات العملية وتبسيطها من حيث الشكل إن كل ذلك يعكس وبدون أي شك رغبة حقيقية في وضع الإطار القانوني والتنظيمي الضروري واللازم لعملية إعادة تقويم الموجودات الثابتة بما فيها العقارات وذلك في الشركات أو المؤسسات عند تحول شكلها القانوني واندماجها ببعضها أو بأشكال أخرى ، كما أنه يظهر اهتماماً ملحوظاً وجهوداًُ مباركة من قبل الجهات المعنية الحكومية والتشريعية والتي عملت جاهدة لاعتماد ه مع غيره من القوانين والمراسيم التي تؤطر عملنا المستقبلي وتنظمه وتدفع بعجلة التطوير والتحديث بقيادة الرئيس : بشار الأسد