وبحضوري لأحد المناسبات الاجتماعية في قريتي , وجدت نفسي منهكاً بالحديث مع رجلٍ كبير في السن , ارتسمت على جبهته شقاء السنين و احتفظت عيناه ببريق من التواضع والذكاء .
ولاحظت إنه يقول في كلاماً أقرب إلى الحوار الذي يمكن متابعته على شاشة التلفاز أو كالذي نقرؤه في القصص والروايات
كانت ملاحظاته عن الحياة والناس تعكس مشواره الطويل في مدرسة الحياة , ردوده كانت دقيقة وجلية , ومعرفته بالنفس الإنسانية عميقة , وتجد في أسلوبه شيءً ما يسمى ........... الإبداع .
ففكرت في نفسي ..........ماذا ينقص هذا الإنسان حتى يكون قاصاً أو كاتباً ؟؟؟
إن كل ما لاحظته في هذا الإنسان يؤهله لأن يكون كاتباً كبيراً أو قاصا مبدعاً أو حتى شاعرا لا يستهان بهِ ، لكن لكي يكون كاتباً فعليه أن يعرف الكتابة ويتمرس بأساليبها ويكتشف أسرارها وخباياها , وسر الكتابة غير سر الحديث , وسر الحديث غير سر المعرفة , وسر المعرفة غير سر النفاذ إلى عمق النفس الإنسانية .
فلكل من هذه المعارف سرها الخاص , وأسلوبها الخاص , وسحرها الخاص ولا أحد منها يحل مكان الآخر أو يلغيه ........ بل يغنيه ويزيده وضوحاً وتألقاً وجمالا .
وقد يكون كاتباً ما يتقن الحديث , لكنه لا يعرف طريقة ألقائه , فيكون حديثه مملاً ومضجراً , مع العلم بأنه يكتب فناً أصيلاً وجميلاً.
وقد يكون هناك شخصٌ كصديقنا الذي تحدثت عنهُ قادراً على قول الملاحظة الدقيقة والحكمة السديدة وقادراً على النفاذ الى عمق النفس الإنسانية لدى الآخرين ولا يجيد الكتابة و فنها .وقد يكون الكاتب المبدع أحياناً شخصاً ثقيلاً في الواقع , وقد يكون الشاعر المتألق في قصائده والمبدع في دواوينهِ ثقيل الظل في الحقيقة .
لكن في النهاية .......... يبقى المقياس الأول والأخير للإبداع هو الأثر الباقي في النفوس , بغض النظر عن طريقة الإبداع سواء كان شعراً أو مقالاً أو حديثاً ,,, أو حتى كلمة .
مع حبي وتقديري...