news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
مخطئ ٌ من ظَن يوما..ً أن للثعلبِ ديناً .... بقلم : أَيمــن علـي الدّولات

(مخطئ ٌمن ظن يوماً أن للثعلب دِيناً!!).. بهذه العبارة التي ختم بها سلسلة(نكشاته) مزق الأستاذ سعيد آخر صكوك الغفران وهزم آخر جيوش التأني وقضى على آخر ما تبقى لدي من آمال بالبقاء آدمياً وسرق مني كل أحلامي المبتورة أصلاً!!


يعاندني الأستاذ سعيد وينكِّسني ويستفزني بشكل مُقرف، (وبداقرني كل ما صح له)، والغريب أنني اعتدت تقبل كل ذلك برضىً وسعة صدرٍ يحسدني الكثيرون عليهما، ويبحث بتشوق من يستمتع بالأذى عن طرائق جديدة، ويتفنن بابتكار أساليب جديدة ليجرب مفعولها علي أنا (العبد الفقير إلى الله) تمهيداً لنشرها على مدى أوسع محلياً وربما عالمياً!!

(بتعرف إنك فاضي من جُوه)؟!! فأجيبه بابتسامة: (بأعرف ومشكور).. لعل إقراري بهزيمتي وانتصاره تكفيانه، لكن يحدث معي ما حدث تماما مع فريق أوزبكستان لكرة القدم في مباراته أمام أستراليا في بطولة الأمم الآسيوية بالدوحة، لأبدو (أمام هجومه الكاسح) مكشوفا بلا قلب دفاع أو ظهير قشاش أو حتى حارس مرمى!!

 (الله يكون بعون اللي بيرافقك)، (كل سواليفك ماسخة)، (وجهك مجَعلك وقرّبت تموت)، (زوقك بيقزز).. حتى تخيلت نفسي ممسحة وحيدة للزَفر قُرب منسف كركيّ لخمسين شخصا، اكتشفوا بعد انتهائهم من تناول طعامهم أن المياه مقطوعة وأصبحت أنا آلية (التغسيل) الوحيدة المتوفرة!!

 

لست هنا بصدد سرد حكاية معاناتي مع الأستاذ سعيد أو مدى صبري عند التعامل مع الآخرين، لكنني أناقش ظاهرة اغتيالنا للآخر وعدم احتوائنا له والهرب من تقبلنا للاختلاف معه نتيجة تراكمات إرثية هائلة من التنشئة الخاطئة والأمثال المغلوطة وأدبيات الجلوس والنقاش والمحاورة خصوصا تلك التي اجتاحت بلادنا في العشرين سنة الأخيرة؛ فمن السهل أن نحول أنفسنا إلى مناراتٍ لكل من حولنا، ومن الأسهل أن نقنع جميع بنات الجيران أننا مثل (دون جوان)، وأن نقنع (نسوان الشارع) أننا الورثة الشرعيون للمأسوف على شبابه (ڤالنتيــن).. فقط ببلوزة وجاكيت حمراوين من سوق (الحرامية) بمبلغ زهيد، ومن السهل أن نكسب حب وتعاطف كل الزملاء بابتسامة صباحية مكررة و(مَدِّه إيد) على الجيب الخلفي كلما تقدم إلينا أحدهم بطلب قرض بسيط على اعتبار أن السداد مضمون يوم قبض الراتب.

ومن السهل أن نكسب رضا الوالدين بقبلة يد كل صباح ومساء -حتى لو كانتا كاذبتين- لأن الآباء والأمهات في ثقافتنا أضعف من أن يقاوموا، وأرق من أن يغضبوا، بل على العكس من ذلك تماما.. (بدهم حِجِّه علشان يرضوا).. وأسهل من ذلك كله أن نجمع حولنا ولنا رصيداً من الدعوات الصادرة إلى المولى عز وجل من  أفواه الشقيقات لأن ذلك لن يكلف سوى زيارتين (وعيدية) رمزية لكل منهن في العيدين الصغير والكبير..

 

لكن الصعب هو أن تمتلك نفوسنا القدرة على حب الآخرين.. فأن تحب يعني أن تكون إنسانا أوّلا وهذا صعب بالنسبة للكثيرين وممكن فقط بالنسبة للقليلين منا!! وأن تحب يعني أن تمتلك قلبا في زمن خُلق فيه الكثيرون منا دون هذه الميزة (ولا أقصد هنا العضلة الصماء التي لا يصل وزنها إلى ألف غرام)، وأن تحب يعني أن تمتلك القدرة لتسامح من أساء وتغفر لمن أخطأ وتنظر في عيون من أشاح بوجهه عنك مبتسماً.. أن تحب يعني أن تمتلك القدرة على تحمل دخان سيجارة الجالس بجانبك في سيارة سفريات طوال طريق عمان- دمشق (لإنها ممخمخة معاه) حتى لو كان يدخن جيتان طويل، وأن تمتلك نفس القدرة على منع نفسك طوال طريق العودة من تدخين سيجارة (كارتير لايت) لأن الختيار الجالس بجانبك (بزعل من الدخان)، وفي الحالتين يجب أن تفعل ما فعلت دون أدنى إحساس بالغضب أو بالكره أو بالرضا الزائد عن نفسك.. أن تحب هو أن تكون مغلوبا أثناء لعبة (طرنيب) وشريكك في اللعب يصرخ بوجهك، أو (ماكِل شيخ الكبّة في آخر مملكة بلعبة الترِكس) وفي الوقت نفسه تمتلك القدرة على التبسم وحتى الضحك في وجوه الجميع دون أن تبتلع ريقك أو حتى تشرب جرعة ماء !! وأن تحب هو أن تضع في يد متسول مبلغا" من المال دون أن تشعر بالندم بعد لحظات عندما تكتشف أنه كان الأخير بجيبك.. أن تحب هو أن تمتلك القدرة على تحمل (تفقيشات وزناخة) الأستاذ سعيد في سهرة مماثلة لسهرتي أمس دون أن تتملكك رغبة عارمة بضربه بمنفضة السجائر المملوءة بأعقابها.. وهو ما فشلت بتجنبه أمس وبامتياز!!

 

نعم.. أنا أعترف.. لقد سلبني الأستاذ سعيد أمس مقدرتي على الحب والعفو والغفران، وسرق من جيبي آخر حبات (السكر الفضي) التي أدمنتها، وآخر الحَمام الأبيض في ساحة المسجد لأموي الكبير، واختلس من بين أناملي آخر الورد الدمشقي الذي أحبه.. فهل يتبرع أي منكم بمحاولة إعادة ولو جزء يسير مما سُلب مني أمس؟!!

 

أن تحب هو أن تكون شخصا آخر يختلف تماماً عما كنت أنا عليه ليلة أمس لأن الأستاذ سعيد قرر أن (ينكش مُخّاته علي) ويسلبني ما كنت أُباهي به نفسي طوال ثلاثة وأَربعين عاماً!!!!

[email protected]

2011-02-01
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد