هي فوضى!
تذكرنا أحداث جمعة الغضب في القاهرة أمس بالفيلم المصري "هي فوضى" لمخرجه يوسف شاهين وتلميذه خالد يوسف, كانت مشاهد التظاهرات والدواليب المشتعلة ورد الظلمات التي اعتدنا رؤيتها في أفلام المخرجين المصريين الجدد مجرد حدوته سيما (سينما) لا تنطبق على أرض الواقع.
وأي منا لم يتوقع أن يراها على أرض الفراعنة التي تعاني من لعنة الحاكم الأوحد الذي لا يغادر سدة الحكم إلا إلى لحده, فلم تعرف تلك البلاد حاكماً ترك الحكم قبل موته, إلا أن شاهين ويوسف علمونا أن حدوتهم المصرية يمكن أن تصبح حقيقة ولو بعد حين, وأن حلم المصريين كان مشروعاً وواقعياً, وأن الشعب الذي اتهم بالاستكانة والخنوع لم ينس عرابي وزغلول وما زال أكتوبر يطفو على سطح ذاكرته.
يتناول الفيلم "هي فوضى" مجموعة من القضايا السياسية من خلال شخصية حاتم أمين الشرطة الفاسد الذي يقوم بأي شيء من أجل المال, يساعده في ذلك ضابط في نفس القسم, حاتم يعيش حياته خارج القانون حتى على المستوى الشخصي, فهو يعيش حالة من العشق تجاه جارته نور التي تعاني من استبداده في الحي, ومن أجل أن يمنعها من الزواج بغيره يقوم باغتصابها بمساعدة أحد المجرمين, وتتكشف قصته على مرأى أهل الحي دون أن يقدر أحد ما أن يحرك ساكناً, تمر القصة شهوراً حتى يشتعل الغضب في نفوس الناس ويخرج جميع أهل الحي في مظاهرة كبيرة ويهدمون باب السجن الذي يعج بالمظاليم المخبأين في دهاليزه, ويقومون بتحريرهم والبحث عن حاتم الذي انتهى به المطاف بالانتحار أمام الناس بمسدسه الذي طالما ساعده على فساده وسطوته.
رغم تشابه الحدوتة مع ما جرى في جمعة الغضب المصرية إلا أن مبارك لم يتحلى ولو بقدر ضئيل من رجولة حاتم الفاسد الشرير, الشخصية التي لخص بها السينارست ناصر عبد الرحمن عقوداً من الظلم والذل والجور الذي عانى منه الشعب المصري, فحين اصطدم حاتم بإرادة أهل الحي وحبهم للكرامة والحياة وأحس بزوال "فرعنته" وسطوته انتحر أمام الجميع, أما مبارك فيبدو أنه لا يحبذ الحل الذي اختاره حاتم ويصر على التمسك بالسلطة وتجاهل نصيحة زوجته سوزان في ارتداء السترة الواقية بالرصاص لينتهي به المطاف بالموت بطلقة عسكرية تنهي مهزلته.
بوركت أيها الشعب المصري, بورك شبابك وبوركت نساؤك وأطفالك, ولتكن هذه الجمعة نهاية لأكواخ الصفيح وأحياء المقابر والسفارة في العمارة, وتذكر أن أهل الحي استطاعوا هزيمة حاتم وأزلامه وثأروا لشرف نور.