"دعوني أنتقد المرأة".. هذه العبارة تذكّرني بالأديبة المستنيرة والصحفية الراحلة ماري شقرا
هذه المرأة التي دافعت عن المرأة في عصرها، ودعت إلى تحريرها من خلال زاوية كانت تكتبها في مجلة "دوحة الميماس" التي صدرت في أواخر العشرينات من القرن الماضي.
وعندما كتبت ماري شقرا عن حرية المرأة كان واقع المرأة أليماً أكثر من هذا العصر، فعلى الأقل لم تكن كل النساء مستقلات من الناحية المادية، وأغلبهنَّ كنَّ يسكتْنَ على ظلم الرجل وتحكّمه في مجتمع ذكوري كل شيءٍ فيه مباحٌ للرجل.
واليوم أعتقد أنَّ بعض حقوق المرأة باتت متاحة، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، أو لأن المرأة تستطيع أن تدخل وتخرج من بيتها بحرّية أكثر... بل لأنها استلمت مهامَ ومناصبَ في دولةٍ ساندت بعضُ قوانينها المرأة، وبقيت قوانين أخرى بعيدة كلَّ البعد عن استقلالية المرأة وحريتها لا بل بقيت المرأة تابعة للرجل في بعض الأمور.
مؤخراً أعطت الكنيسة والدولة المرأة حقَّ الإرث وهذه نقطة إيجابية. أما الطلاق وتعدد الزوجات فهو غير وارد في بعض الأديان، وهذا إيجابي أيضاً. رغم أنَّ بعض الدول العلمانية منعت تعدد الزوجات مثل تونس وتركيا.
لكن في كل المجتعمات العربية المرأة أقلّ شأناً من الرجل في بعض الأمور، أنا لا أقول أنْ تعمل المرأة عملَ الرجل وتجلس وتتحدث مثله، وتتحول إلى رجل آخر، (رغم أنَّ بعض النساء يذهبنَ إلى ميدان العمل في الورشات ويعملن أعمال وتصرفات الرجال ولا يؤثر هذا على أنوثتهنَّ) لكن انظر مثلاً ماذا يحدث للمرأة لو أنها أحبّت شاباً وخرجت معه مرات عديدة... لم أقل ذهبت معه إلى شقة أو أقامت معه علاقة جنسية، لم أصل إلى هذا الأمر، لكن ما إن تعرف المرأة شاباً أو يمسك يدها حتى تأكل شرفَها وعِرضَها ألسنة ُالناس. أما الشاب فيتعرض للأقاويل القليلة لكن لا يعيبه هذا الأمر إذ سرعان ما ينسى الناس ما فعله هذا الشاب ويقولون لا بأس إنه طيش شباب، وسرعان ما ينتقل هو إلى فتاة أخرى وأخرى... حتى يعملَ قائمة طويلة عريضة بأسماء الفتيات اللواتي عرفهنَّ أو عاشرهنَّ برضى أم بغير رضى... والفتاة هنا في الشرق قطعة كريستال تنجرح وتنكسر لأية لمسة بسيطة..
لماذا مازالت الحرية ممنوعة عن الفتاة ومباحة للشاب؟ هل لدى الشاب عواطف وأحاسيس أكثر من الفتاة؟ أم أنَّ قلب الفتاة متحجر ليس لديه إحساس عاطفي؟..
لقد تجاوَزََنا الغربُ بمراحلَ كثيرة، ونحن بعيدون عنه بأشواطٍ وأشواط. أنا لا أدعو إلى الحرية الجنسية فالكنيسة والأديان حرّمتها لأسبابٍ كثيرة ولست الآن بمعرض الحديث عن أسباب منعها، لكنني لا أقبل أن تعطى للشاب وتحرَّم على الفتاة، ولا أقبل أن يُنظر إلى الرجل على أنه "فحل" إذا عرف فتيات عديدة وأن تُعدَّ المرأة ساقطة إذا أقامت علاقة واحدة!.. لا والأسوأ من هذا وذاك أنَّ الرجل إذا عرف أنه كان للمرأة علاقة بشاب قبله استشاط غضباً وثارت رجولته وشرفه، وترك حبيبته...
وفي أحسن الأحوال عندما يكون فكرُ الرجل مستنيراً قليلاً يتزوج حبيبته ذاتَ الماضي، لكن يبقى ماضيها يؤرِّق حياة ذلك الرجل الحضاري كما يؤرّق حياة زوجته، وكم من الأفلام والقصص تناولت هذه القضية، وكم من الروايات حكت عن شرف المرأة ورجولة الرجل... الشرف الذي يقاس من زاوية معينة دون أن يؤخَذ اعتبارٌ لوجود المرأة. فكل الممارسات مباحة للرجل ومحظورة على المرأة، مع أنَّ العواطف والمشاعر خلقت عند الاثنين لتكون الحياة معها أجمل، لكنَّ الأعراف والتقاليد والمجتمعات تعمل على هواها تحرِّم وتحلل ما أوجده الخالق طبيعياً عند الاثنين.
أنا لم أكتب أبداً عن حرية المرأة قبل اليوم، ولا أحبّ أن أنتسب إلى اتحادٍ نسائي أو مؤسسة كل أعضائها سيدات، لأنني أتعاطف مع الاثنين وأحبّ أن أنظر إلى الإنسان المظلوم أياً كان، وأعرف أنَّ الرجل والمرأة مكمِّلان لبعض، وحين أكتب الآن عن المرأة فهذا ليس ناتجاً عن قهرٍ أو ظلم تعرضت له فأنا عشتُ مراحل حياتي في زمن محافظ وفي أسرةٍ شرقيةٍ محافظة، ولا أذكر أنني تعرضتُ للكبت أو الظلم بسبب تفضيل الصبي عن البنت، رغم أنَّ العصر الذي ولدت فيه كان يميز بينهما في كل شيء، ولا أذكر أنَّ أهلي فرّقوا بيننا أو فضَّلوا أخي عليّ في شيء، كنت أعامَل على أنني أنثى أساعد في عمل البيت ولم يوجد مانع عندما تحوّل عملي إلى خارج المنزل. كنت أحبّ أن أتصرف كما يتصرف الرجال، وأن أتدبر أموري الحياتية عندما يغيب الرجل، وكنتُ أتساءل دائماً: هل ستشقى المرأة إذا غاب الرجل؟ وهل حياتها ناقصة من دونه؟ هذا السؤال واردٌ جداً في المجتمع الشرقي..
ماذا يحدث إذا أصلحت المرأة أدوات المنزل، أو قامت بتركيب جرة الغاز مثلاً؟ لماذا لا نعوّد الفتاة على اكتمال حياتها عند غياب الرجل؟ ألا يغسل الرجل ويطبخ في غياب المرأة؟ أليس أعظمُ الطباخين رجالاً؟
ومع هذا كلِّه لم يتحول تفكيري إلى مرضٍ يطالب بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، لأنَّ المرأة أنثى، والرجل رجل، وهل أجمل من أنوثة المرأة؟...
ومع أنني أكتب الآن عن حرية المرأة لكني لستُ متعصّبة لهذا الأمر، إنما أحاول أن أكتب بحيادية. فهل يخالفني أحدٌ الرأي بأنَّ الحبَّ محرَّم عند المرأة ومحلل للرجل؟ هل يعترض أحد إذا قلت: إنَّ بعض الأعمال خاصة بالرجل ولا يجوز للمرأة الاقتراب منها؟ مع أنَّ العمل نسبي في كل مجتمع، ففي المجتمعات البدوية المرأة هي التي تعمل في الأرض، وفي المجتمعات المدنية العمل الشاق لا يناسب كبرياء المرأة وأنوثتها، وعدم إشغالها في أمرٍ ما يكون احتراماً لشخصها وأنوثتها ورقتها، وهذا واردٌ أيضاً.. وفي الغرب المرأة تعمل سائق باص أو سائق تكسي، وهذا أمرٌ نسبي ولا يتعارض مع حرية المرأة أو حقوقها.. كل هذه الأمور نسبية. لكن ما أطالب به من حرية للمرأة هو الحرية الاجتماعية، والحرية القانونية.
فعندما تمنح الدولة المرأة بعض الحقوق المدنية، وعندما يغضّ المجتمع نظره عن تصرفات المرأة، نصبح أكثر مدنية، وتنال المرأة حريتها كاملة. وهذا لا يعني أبداً أن تتحول حرية المرأة إلى انفلات ولا يعني أن تكثر المرأة من الملابس الإباحية، أو الأحاديث والثرثرات والترّهات التي تقلل من شأنها وتجعلها امرأة وقحة، ولا أن تتحول إلى سلعة أو مادة إعلانية، ولا أن تتاجر بجسدها، فالمرأة مخلوقة متمايزٌة عن الرجل وليست سلعة، وهي أيضاً ليس مسترجلة، لكنها مخلوقٌ قوي له شخصية مستقلّة لا يستمدّ وجوده من الرجل، بل الاثنان خُلقا ليكمّلا بعضهما عاطفياً واجتماعياً وأخلاقياً وثقافياً، خُلِقا كي يكون للوجود معنى وغاية فلا قيمة لحياة الاثنين بمعزلٍ عن بعضهما...
ومن هذا المنطلق أحبّ أن يكون الرجل قربي وإلى جانبي في مجالات الحياة كافة ً، في العمل والبيت، في الصداقة والأسفار والهيئات العامة والاجتماعية، ولا أمانع ولا أتعصّب لوجود رجل في حياتي، كما أنَّ الرجل لن يمانع لوجودي في حياته، ويقبلني كما أنا.
20 / 10 / 2010