اخواني القراء ان هذه القصة ليس مقصود بها أي شخص و لا توجه أي معنى لأي فئة من الناس
السعي وراء الرزق تحدده الحاجة و بوصلة الرزق نفسه فترى الانسان قد وصل لأخر المعمورة لكي يظفر برزقه الذي قسمه له الله ومنهم من يأتيه الرزق و هو في بيته.
كنت مجتهدا جدا في المدرسة و حصلت على علامات مرتفعة تؤهلني لتسجيل أي فرع حتى الطب و لكن بسبب ظروف اسرتي الصعبة و الفقر المدقع لم استطع اكمال دراسة أي شيء. فبدأت بالعمل و انا في المدرسة و بعد الخدمة الالزامية لمساعدة الاسرة و تطور هذا العمل الى الترحال و العذاب حتى طورت نفسي في هذا المجال و درسته و خسرت الكثير من العمر و المال. و تزوجت في مطلع الالفيه ولي ثلاثة اولاد لم اعش معهم الا قليلا.
انفصلت عن المجتمع و اسرتي لان ظروف عملي تحتم علي ذلك .كم من المرات و المرات تشاجرت مع زوجتي بسبب الغربة و البعد. اترك ابني رضيعا واعود لأراه راكضا على قدميه. كل هذه الغربة بسبب الرزق الذي لم اجده الا في اقصاع الدنيا مع التزامي الاخلاقي و الديني و الدخل لا بأس به والحمد لله.
و بينما انا في اجازة في البلد استوقفني احد اصدقائي القدماء الذي لم اراه منذ 15 عاما و كان عنده ميني ماركت كبير نوعا ما و على شارع عام امامه اشارة مرور .واصر ان اجلس عنده و نشرب المتة امام الميني ماركت على الرصيف تحت الاشجار.
و من خلال انشغال صديقي المستمر في الميني ماركت و هذا الموقع المميز فقد كنت اجول بنظري الى الطريق و السيارات و قد شاهدت و جوه كثيرة كنت قد نسيتها من زمن بعيد . ومن بين هؤلاء الناس رأيت شابا كان معنا في المدرسة و قد ترك المدرسة بسبب الفشل و اشتغل في نجارة البيتون لان اهله مثل اهلي كانوا فقراء. رأيته راكبا سيارة قيمتها اغلى من كل ما املك بخمس مرات . فسألت صديقي صاحب الميني ماركت. عند من يعمل هذا الشاب الذي كان معنا في المدرسة. فجاوبني بضحكة غريبة و قال لي: حتى انا وانت لا نستطيع الان ان نكلمه لقد اصبح مليونيرا و اكبر متعهد في البلد و انه شاطر؟؟؟
فأستوقفتني كلمة شاطر و بلعتها بصمت. ولم الح على صديقي للشرح و لكنه ترك اثرا في نفسي بهذا الوصف:شاطر.
وعدت الى صوابي و استأنفنا شرب المتة. و اذ بسيارة فخمة تقف امام الميني ماركت و ينزل منها شخص يبدو في هيئته محترما جدا و لابسا نظارات شمسيه غالية الثمن وشعرت انه يمعن النظر بي من تحت النظارات. فناداه صديقي اهلا بالدكتور. وذهب معه الى داخل الميني ماركت. و بعد مدة قصيرة خرج هذا الشخص من الميني ماركت و صديقي حاملا الاغراض لهذا الشخص ووضعهم بصندوق السيارة و ودعه بكل احترام و ذهب.
فقال لي صديقي الا تعرف هذا الدكتور(الطبيب) فقلت له لا لا اعرفه. فرد ضاحكا نعم تعرفه معرفة جيدة و هو يعرفك.
فقلت له لماذا لم يسلم علي اذا كان يعرفني. فقال لي انه(ح-ع) الذي كان معنا بالمدرسة. فقلت له مستحيل انه يشبهه وانا اعلم انه لم ينجح في البكالوريا لاكثر من 5 سنوات متتالية.
فقال لي صديقي اتذكر عندما كنا في الصف الحادي عشر و اعطانا الاستاذ نتائج مذاكرة الرياضيات و انت اخذت 59.5 علامة من 60 و هو اخّذ 0.5 علامة فطلب منه مدرس الرياضيات ان يعطيك هذه النصف علامة لتتم مجموعك الى 60 علامة لانها لا تلزمه. فعندها تأكدت انه هو. و قال لي صديقي انه شاطر ظَبَط حالو.
فجأة احسست بنفسي انني اشرب خمرا بدل المتة مع انني لا اشربه و اصبح السكر يلعب برأسي و استأذنت صديقي وعدت على دراجتي النارية الى البيت . و زوجتي شاهدت على وجهي التأثر الشديد.
جلست في غرفة لوحدي و بدأ عقلي بالعمل و اعيد الحسابات من جديد ليس من باب الحسد او الحقد و لكن من باب التساؤل.
هل كل تلك الغربة و العذاب كان وهما؟
هل ظلمي لي و لزوجتي واولادي بالغربة كان وهما؟
بعد اكثر من عشر سنين غربة وجد و عمل و سعيا وراء الرزق اجد نفسي لا شيء؟
هل كل الناس شاطرين و انا الفاشل الوحيد؟
هل ضاع العمر سدى؟
و حتى الان لم اجد الاجابة و الغربة و الظلم مستمر لزوجتي و اولادي رغما عن انفي.