توجيه عملية الإصلاح وجعلها أكثر جاذبية سياسياً واجتماعياً واداريا يستوجب اعادة تقييم تجربة المعهد الوطني للادارة
[تشكيل المنصب] اختصاصات واسعة للوزير والمدير(شخصنة الموقع) مع قليل من الفعالية العملية- المدير فرعون والمستشار لا يشار والمعاون لا يعاون)
كما نرى في الاقتصاديات المخططة مركزيا في السابق في أوروبا الوسطى والشرقية، فإن الوزارات كبيرة من حيث الوظائف، مع تشكيل واسع ومقعد للمنصب. تمتلك تلك المناصب آليات تمتد إلى صياغة السياسات، والتنسيق والتحكم (على الرغم من أن هذه الآليات موزعة على المديريات)، وأنظمة خاصة لكل حالة على مستوى الأفراد والأعمال، ونقليات نهاية الخدمة، إدارة الأعمال القائمة، وقرارات الاستثمار طويلة الأمد.
إن توسيع صلاحيات التحكم والمحاسبة يتطلب مهارات وقدرات إدارية معقدة. وهذا مهم بشكل خاص عند اعتماد المركزية في صناعة القرار.
توضح بعض الأرقام هذه الظاهرة. تمتلك وزارة المالية خمسة عشر مديرية ترفع التقارير رسمياً للوزير، وتمتلك وزارة الري ثلاث عشرة مديرية، كذلك تمتلك كل من وزارة الصناعة ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي إحدى عشر مديرية، وتمتلك وزارة النقل ثمانية. وتمتلك عدة وزارات أكثر من وحدة تحت مستوى الوزير مسؤولة عن التدريب والتأهيل (المهني).
توضح وزارة الصناعة بشكل جيد التعقيد في توزيع المسؤوليات. إضافة إلى الإشراف على سبعة مديريات وجهات على المستويات المركزية والإقليمية، فإن الوزير مسؤول أيضا بشكل رسمي عن ستة مؤسسات صناعية منفصلة تشتمل بشكل أساسي صناعات مختلفة ومناخات تنافسية كالهندسة (مع أعمال ذات مواصفات عالية إضافية)، الصناعات الكيميائية، والقطن والسكر (كما تتم إدارة إنتاج كل منهما حاليا).
تم تقديم خطة سابقة لإصلاح الوزارة بالكامل، مع بداية الخطة الخمسية، فضلاً عن توصيات مقدمة من خبراء خارجيين، ويتوقع أن يتم المصادقة عليها قريباً. وعند قراءة الخطة وجدنا أن مكوناتها الأساسية هي كالتالي:
إخراج بعض المؤسسات عن سلطة الوزارة، ودمجها كمؤسسات منفصلة مع الدولة كشريك وحيد، وتمهيد الطريق من خلال ذلك لخصخصة كاملة أو جزئية محتملة؛
إعادة صياغة القسم المركزي على أساس "المنهجية" التي تبدو منسجمة مع مبادئ المراجعة العملية؛
اعتماد توصيف للوظائف، وغير ذلك لهذه الوحدات الجديدة؛
تصميم خطط للتدريب لرفع مهارات بعض موظفي الوزارة المختارين.
وتوضح هذه الخطوات بشكل جيد النقاط الأساسية والتتابع العام للإصلاح التي تلتزم بها الخطة الخمسية الحالية لقطاع الوزارات: فصل للآليات الإدارية العامة والمؤسسات، وتنسيق وحدات الوزارة المركزية مع الإطار العام لآليات العمل، رفع السوية المهنية لكادر الوزارة.
[الحجم] جهات حكومية ذات كادر جيد
لم نستطع الوصول إلى معلومات عن التوظيف في الإدارات المركزية والإقليمية بالمقارنة مع معلومات عن الإدارات المركزية والإقليمية في بلدان أخرى، وبالتالي لم نستطع توضيح أو تأكيد ما شماه وزير المالية بنفسه على أنه مشكلة "زيادة عدد الموظفين في القطاع العام"، ولكن هناك العديد من القرائن التي تؤكد ذلك.
مواصفات [التشريعات] الثانوية
تتطلب القوانين والأنظمة المستمدة من القوانين الأساسية مراجعة مفصلة لأجل الثبات والوضوح.
وتشكل التشريعات الثانوية أداة لتطبيق القوانين. وتأتي هذه الأدوات مقتصرة على الشروط المرتبطة بالحكم كالحاجة للهيكلية الهرمية، والثبات والوضوح. وقد أكدت ملاحظات الذين تم الالتقاء بهم أن التشريعات الثانوية تستفيد من مصدر سلطة محدد داخل التشريعات الأساسية، وأن هناك حاجة أساسية لمراجعة تفصيلية للأنظمة والقوانين، وأن كل وثيقة مكتوبة واضحة وخالية من اللغة الغامضة. إن أحد العوامل الهامة في هذا المجهود هو إزالة الأنظمة من اللوائح إذ تم استبدالها أو تجميدها بشكل "كامل" أو "جزئي" من خلال تشريعات ثانوية أحدث.
إن إجراء كهذا سيكون أساسيا لدعم مراجعة وتبسيط قوانين ناظمة محددة تأتي من تشريعات ثانوية كهذه.
[العمليات] إجراءات العمل البطيئة ووقت التنفيذ كنتيجة
إن غياب التفويض يساهم في إطالة زمن التنفيذ الإداري بحد ذاته. وقد تم توثيق استهلاك الوقت وإجراءات العمل البطيئة بالتفصيل للعمليات الناظمة لبعض الأعمال والخدمات، وبعضها ملخص في الملحق 1. وتتضمن الملاحظات على الخطة الخمسية الحالية أن الخدمات الإدارية للمواطنين (تسجيل الإقامة، ونقل الملكية، والحصول على أو تجديد جواز السفر، وغير ذلك) بطيئة جدا وتستهلك الوقت.
إن للوقت الطويل للتنفيذ سببين على الأقل: الأول، إجراءات ناظمة معقدة، والثاني، حقيقة أن الأنظمة ذات الصلة غالباً ما تكون غير واضحة أو متضاربة كما بينا سابقاً.
وبينما تمت الإشارة في بعض المقابلات على أن قلة استخدام المعلوماتية تشكل مصدراً رئيسياً للعدم الكفاءة، فإن من المستبعد أن تقود المعلوماتية بحد ذاتها إلى تحسينات كبيرة في غياب مراجعة روتين العمل.
لم نتمكن من تقييم أي معلومات حول الأداء من أية وزارة أو ممثل عنها، حيث توصلنا إلى أن معلومات كهذه لا تجمع بأسلوب منظم. ولكن الملاحظات المقدمة من قبل مسؤولين، وخبراء سوريين مستقلين، ومراقبين خارجيين، تؤكد باستمرار أن هناك مجالا لتحسينات كبيرة في هذا الجانب من حيث المواصفات والفعالية. إن إجراءات الإصلاح إحدى الأولويات الأساسية للحكومة التي تقوم بعدة مشروعات في هذا المجال، والتي يشهد بعضها مساهمات داخلية ذات خبرة.
[الأجر] الأجور منخفضة نسبياً، وسلم الرواتب مضغوط
يثبت سلم الرواتب الرسمي مستويات منخفضة للرواتب عند مقارنتها مع إجمالي مستوى الثراء (المستخلص من النسبة التقريبية لقسمة إجمالي الدخل القومي على الفرد). يتضمن سلم الأجور خمسة مستويات، حيث يعادل المستوى الأعلى حولي 300 دولار أمريكي /230 يورو/في الشهر، والمستوى الأدنى منها يقدم أجراً شهرياً يعادل تقريبا 170 دولار أمريكي /130 يورو/ في الشهر. ويقال أن هذا الحد الأدنى أقل منه في البلدان المجاورة. كنتيجة لذلك يلجأ موظف الحكومة إلى وظيفة غير رسمية في القطاع الخاص لتعزيز دخله. ويتعرض رب الأسرة لضغوط خاصة في سورية بسبب قلة عدد الأسر التي يكون كلا الزوجين فيها من العاملين براتب.
ويقال بأن الدخل المنخفض يساهم في "الفساد"، بينما يجادل آخرون بأن سلم الأجور، وفي غياب "ثقافة العمل الحكومي"، يحدد مستوى "ثمن المعروف". وبينما قد تكون أنظمة الأجور الحالية غير كافية لجذب أو إبقاء أشخاص ذوي مهارات في مواقع الوظائف الحكومية، فإن مسائل الأجور منفصلة عن الحاجة لاكتساب ثقافة إدارية من التوجيهات المهنية منسجمة مع "الحكم الرشيد" المعرف سابقا.
[كفاءات الموارد البشرية] كفاءات الإدارة العامة غير كافية للتحديات القائمة
أكدت المقابلات، داخل مجال الإدارة العامة (على خلاف إدارة المؤسسات المكونة للتوصيف الوزاري)، بأن الفعاليات الوزارية تم فهمها بشكل واسع على أنها كتابة وتطبيق القوانين والأنظمة على أساس كل حالة على حدة.
هناك قصور في فهم وامتلاك مهارات "العمل الحكومي"، وفي تحضير السياسات، في منظور تنظيمي عام، والفعاليات الأخرى للحكومات الحديثة. والواقع إن مهارات بسيطة في تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات تقدم حتى الآن أطراً في الإدارة.
إن الحاجة إلى قدرات في صناعة السياسات والأنظمة عبر العديد من القطاعات هام بشكل خاص بالنظر إلى خطة الإصلاح الطموحة للخطة الخمسية
وبالمعيار ذاته، وحتى تأخذ الوزارات الموقع القيادي في الإشراف على عمليات التطوير العملياتي واستعادة الفائدة من الشركات الحكومية، وإدارة عملية الشفافية المقترحة، فإن ذلك يتطلب مهارات وتجارب.
[التدريب] جهد محدود لتحسين قدرات كادر العمل
على الرغم من توفر تمويل كبير للتدريب (يصل إلى ثلاثة في المائة من النفقات)، فإن التدريب في مجال التنظيمات والمهارات العملية في الإدارة العامة الحديثة محدود وغير منتظم. لا توجد تقديرات منتظمة لحاجات العاملين، وليس هناك مبادرات حتى الآن لتحديد ما يمكن أن يكونوا في حاجة إليه على أسس راهنة ومنظور بعيد المدى. لا شك في فائدة التدريب يتم ولكنه محصور في مجال المعارف والمهارات الفنّية.
[الثقافة الإدارية] مقاومة الانفتاح والشك حيال التغيير
بينما البقاء في وظيفة مع الدولة لمدى الحياة يجب من حيث المبدأ أن يكون منفتحاً على التفكير المبدع وأن يعززه، فقد أدت الطبيعة المركزية لصناعة القرار، والثقافة الإدارية للدولة إلى التوجه عكس ذلك، كما قد يكون الأمر بالنسبة لثقافة أكثر عمومية داخل المجتمع.
قد تتحول الثقافة الإدارية إلى تعبير دارج عن المسائل أو المشكلات التي كان من المفترض وصفها بصورة أدق وأكثر ميلاً تجاه القيام بالفعل. إلا أنه من المفاجئ كيف تتم الإشارة إلى الثقافة الإدارية بشكل متكرر من قبل الذين تمت مقابلتهم على أنها بادية الضعف لكن ليس من السهل تغييرها. وتضمنت المسائل المشار إليها التمجيد المبالغ فيه للسلطة، والإحجام عن تحمل المسؤولية بشكل إفرادي لحل المشاكل، والاستعداد "لرفع المشكلات" إلى المستوى الأعلى في محاولة لتقديم خيارات أو توصيات لاتخاذ القرارات، كذلك التفكير العمودي داخل كل مؤسسة حكومية الذي يعيق التعاون بين الوزارات وبين أقسام كل وزارة، إضافة إلى ريبة عميقة تجاه التغيير.
يمكن اعتبار وجود مستوى ما من التشكيك أمراً صحياً بالنظر إلى أن الموظفين الحكوميين يبقون الأساس الثابت للدولة بغض النظر عن الحكومة القائمة، أو نمط الإدارة القائم.
إن أحد الأمور الهامة في الثقافة الإدارية القائمة هو النظرة إلى القطاع الخاص: تدعو خطط الإصلاح الحكومة إلى التخلي عن إدارة الأعمال والابتعاد عن اعتماد الأنظمة المرتبطة بكل حالة على حده، وبشكل عام، تضع هذه الخطط القطاع العام في الخط الأول في عملية تحقيق النمو وخلق فرص العمل.
يوجد في أعلى السويات الوظيفية في الحكومة أفراد متقدمين في العمر ممن تلقوا تعليمهم خلال الفترة التي كان فيها الفكر الاجتماعي يشكل المنظومة الفكرية السائدة وكان نظام التخطيط المركزي هو المسيطر، كما إن أكثر الاقتصاديين لا زالوا متمسكين بالتفكير الاجتماعي ومنطلقاته التحليلية.
ولا يحتاج المرء سوى للنظر في الخطة الخمسية لاكتشاف محدودية فهم السوق والقوة المحركة للأعمال الخاصة.
ينظر إلى الأعمال على أنها تقوم على آلية الربح السريع فقط، وأنها بحاجة إلى دائمة إلى تدخل قوي من الحكومة للتوجيه والسيطرة، وتقدم الأجزاء النظرية من الخطة القليل من البراهين الواضحة على وجود فهم للطبيعة الأعمال، وثقة أقل بقوى السوق الخاصة داخل الإطار العام للأنظمة وعدالة العقود المطبقة وحقوق الملكية. من هذا المنطلق، سيتطلب الإصلاح الاقتصادي حضوراً دائماً "وتصحيحاً" دائماً من جانب الحكومة في قطاع الأعمال (وليس الاكتفاء بوضع القواعد العامة وضمان الالتزام بها بطريقة مستوية). وقد أشار المراقبون إلى أن التراجع في سياسات الحكومة مؤخراً حول تحرير سوق القطع الأجنبي (على الرغم من الوعود بفعل عكس ذلك) أدى بأصحاب الأعمال والمستثمرين إلى التوجه نحو الربح السريع نتيجة الشعور لغياب الضمانات التي تؤكد استمرار الأعمال على المدى الطويل. وهذا في المقابل يجعل من نظرة الحكومة إلى تلك الأعمال على أنه سعي للربح السريع فقط أمراً مفهوماً.
[محركات التغيير] تبني الحكومة لعدة وجهات نظر في مجال ضرورة التغيير وسرعته
كان القصد من اختيار الوزراء من أطياف مختلفة تجاه موضوع الإصلاح، عندما تم تعيين الحكومة الحالية منذ سبعة اعوام عدلت اكثر من خمس الى ست مرات، هو الحصول على أكبر عدد من وجهات النظر. وبينما قد يساعد ذلك في الحصول على صيغة "ثابتة" في توجيه عملية الإصلاح وجعلها أكثر جاذبية سياسياً واجتماعياً، فإن ثمة خطراً من الوصول إلى طريق مسدود، أو سياسة غير قابلة للتطبيق.
عموما، أن الحكومة المركزية لا تمتلك "الحشد الضروري" من الموظفين الحكوميين من الطبقة الوسطى الذين يمتلكون فكراً إصلاحياً في الوزارات والذين يستطيعون القيام بتحليل وتوجيه ودعم كل وزير خلال عملية الإصلاح.
2011-02-27