ملقاً أنا على فراشي كحطام رجل في التسعين.. بجانبي ينام قلبي المسكين.. مريض هو بالحب..
ما أصعب الهوى.. تمضي الأيام والشهور في بناء ذلك السور حول قلبك، ثم فجأة يأتيك شخص دون استئذان، يهدم كل ما بنيت بضربة واحدة، يقتحم قلعتك ويتمدد في جناحها الملكي كأنه سيد المكان.. بعد أن يترك بابك مشرعاً أمام العواصف والأنواء..
مسافر أنا كنت دوماً وهارب.. من قصص العشق التي تنبت لي على كل المفارق.. هارب من وجوه النساء اللواتي أحببنني.. من دموعهن.. من جروحهن.. من طعم المرار على شفاه البيارق..
ملابسي ممزقة بالية.. تنتظر عاصفة جديدة، لتنفذ البرد إلى عظامي وتضيف إلى أمراضي مرضاً جديداً وإلى قلبي ندباً جديداً..
تحاملت على نفسي ونزلت عن السرير.. جمعت آخر ما تبقى لدي من رصيد الجنون.. و آخر ما تبقى لدي من رصيد العقل.. وعجنتهما معاً ثم كونتهما مشعلاً أوقدت فيه النار بعود ثقاب الأمل الأخير الذي استعرته من بائعة الكبريت .. أعرف أن طريقي إليك مظلمة مشوبة بالمخاطر وأحتاج أن أبصر..
وضبت حقيبتي الصغيرة.. رفيقتي الوحيدة في كل الأسفار.. لاشيء فيها سوى لمحات من ذاكرتي المشوشة.. وبضع وريقات جمعت عليهن كتاباتي التي رشوت بهن ليالي الحزينة كيلا تطعمني لليأس..
الشيء الأهم في تلك الحقيبة، كان مشهد عينيك العسليتين.. بكل طهرهن ونقائهن.. بكل جمالهن.. وبكل حزنهن.. مخيف هو حزنك سيدتي حتى لرجل مثلي يحترف الضياع في غابات الحزن..
يوم جلسنا معاً لم نكن وحيدين.. يومها أبصرت ذاكرتك الموجوعة داخل عينيك.. جلست بيننا وهمست في أذني بذلك السؤال المسكون خوفاً وحذراً..
هل ستكون الرجل الذي ينكأ الجرح من جديد؟!.. أم ستكون رجل الحياد؟!.. تجيء لتمضي دون أن تترك أثراً مهماً يدل عليك.. أم هل يا ترى ستكون ذاك الرجل المنتظر؟؟؟.. الرجل الذي سيضم شفاه الجرح، ويخيط بيد جراح ماهر القطبة الأخيرة في نحر الألم..
ها أنا ذا الآن أتجه إليك.. منطلقاً من مرفأ القدر.. راكباً سفينة الأيام.. وفي ضمير قلبي هدف واحد.. يتراءى لي واضحاً كمنارة تشق..
صدر البحر.. هدف راهنت عليه بكل ما أملك..
وسأبذل في سبيله كل ما أملك..
إنه اغتيال أحزانك.. وتعويضك عن كل دمعة.. بدمعة جميلة أخرى..
قادم.. ها أنا ذا.. نجم الهزيع الأخير من الليل.. رجل الحرائق الجميلة..