تحية فاسدة إلى القليل المثقف الذي شابه في ندرته النجوم في ليلة سوداء. فأما التحية فهي من أطيب التحيات لا كتلك المنتشرة في مجتمعنا و التي جاوزت في اصفرارها لون الخردل مخفياً وراء نياتها.
و أما الفساد فلأن خواطري التي أقدمها بين ايديكم تعالج قضايا في مجتمعنا الذي فسد فبات أقرب للميؤوس منه الشفاء. و أنا اذ أتحدث عن الفساد فلا أعني الفساد المؤسساتي، رغم تفشيه و استفحاله، و إنما أقصد الفساد الإجتماعي الذي وصم مجتمعنا بعاشر بعد أن كان ثالثاً، بل بات يَسِمُه بالتخلف. نعم بالتخلف، و لكن بماذا ؟ و عن من؟
إذا كان من الصعب على مراقب حيادي أن يقارن مجتمعنا بمجتمع أوربا في عديد من النواحي نظراً لاختلاف الثقافات والعادات؛ فإنه من السهولة بمكان مقارنة سلوك المواطنين في كلا المجتمعين. في حين أن الإنسانية أصبحت الناظم الأساسي، إن لم يكن الوحيد، في معاملة الأوربيين بعضهم لبعض؛ لا يزال مجتمعنا يفتقد لأدنى معاييرها.
بل يكاد قلبي يتفطر إذ ألاحظ المواطنين في مجتمعنا يقتربون شيئا فشيئا للعيش وفقاً لمعايير عالم الحيوان، حيث البقاء للأقوى و الإحترام لأشدهم صرعة. ولعل أوضح الأمثلة على ذلك يتجسد واقعاً أمام نوافذ و مكاتب الموظفين. فكأن كلاً من المواطنين يعتبر أن هذا الموظف أو ذاك يعمل، بل يوجد، من أجله فقط. كأن كلاً منهم يظن أنه الوحيد الذي يريد تسديد فاتورة ما، تعقيب معاملة ما، الخ.
كأن أحدهم يعتقد أنه حين يدخل إلى دائرة حكومية ما أنه قد دخل إلى قهوة، فيبدأ بالتطلب و التفند وكأن الموظفين يعكفون على خدمته وحده. في حين أن المواطنين في المجتمع الأوربي يصطفون برتل أحادي أمام مكاتب الموظفين، بدلاً من أنصاف الدوائر في مجتمعنا، و يتركون متراً أو أكثر كمسافة احترام لخصوصية المواطن أثناء مراجعته للموظف. كل هذا دون وجود أية حواجز حديدية لضبط سلوكهم. وازعهم الوحيد هو إنسانيهم التي تملي عليهم احترامهم لبعضهم البعض.
إن من أبسط معايير الإنسانية أن تكون لك نظرة تماثلية إزاء أخيك الإنسان، أن تحترم وجوده هو الآخر،تماماً كما يحترم وجودك. إني لا أحلم أن نشابه الأوربيين في إنسانيتم بين ليلة و ضحاها. و لكني أتمنى أن أعيش لأرى حلبات المصارعة الحيوانية أمام مكاتب الموظفين و قد تحولت إلى طوابير بشرية، إنسانية.