أظهرت الأحداث الأخيرة التي افتعلتها الأيادي الغادرة في سورية أن المواطن السوري يتمتع بثقافة سياسية عالية ومعرفة بأسماء الدول والأشخاص وطبيعة الأدوار وما آلات الأمور.
وقد اتضح هذا جلياً في السلوك السياسي الذي مارسه الشعب السوري الذي عبر عن ثقافة متجذرة في العقل والشعور وتجلياتها في الفكر والسلوك، من خلال حالة الوعي والإدراك لحجم المؤامرة التي التفت بعباءات التضليل والتهويل والشائعات والأكاذيب والتزييف ، إذ استطاع بفكره أن يدحضها ويفضح مراميها فدرأ عن نفسه أخطارها وتداعياتها.
فالشعب المؤمن بقضيته الواثق بقائده لن تتزعزع قناعاته ويقينه قيد أنملة رغم كل محاولات التشكيك والتلفيق وتشويه الحقائق. فكان ذلك الشعب الذي انتصر لأفكاره بأفكاره. حيث أظهرت تطورات الأحداث الأخيرة أن لدى المواطن السوري قدرة على تحليل الأحداث وتتبع مساراتها وهي التي كانت مرسومة على أساس أن تكون عصية على الضبط وأن تكون مساراتها مجنونة منفلتة من كل عقال، فاستطاع في ظل الحملات الإعلامية الشعواء أن يفرق بين مصطلحات النظام والفوضى ومابين مطالب الإصلاح ومتطلبات المؤامرة، وقد تبين ذلك من خلال المواقف والتصريحات والرسائل النصية والمقالات التي تناولتها وسائل الإعلام، والتي أظهرت التناغم الكبير والانسجام المنقطع النظير مابين القيادة والشعب ،من حيث فهمهم لطبيعة الظروف وإدراكهم كنه المتغيرات والبحث في العمق عن حلول مجدية وليس عن مسكنات للأزمة، لذلك لم تختلط عليهم الرؤى والتشبيهات لأنهم أدركوا بأنهم مختلفون تماماً من حيث طبيعة تفكيرهم وصوابية مواقفهم، فراح مواطننا بفهمه العميق يفند ويحدد أبعاد المؤامرة الدنيئة التي أحيكت ضده .
فمنذ البداية أمسك المواطن السوري بكل خيوط اللعبة إعلامياً وسياسياً كمن له باع طويل وتجربة في هذا المجال، حيث قام كل مواطن من موقعه بدور كبير في هذه الحرب الإعلامية على مستوى العمل والشارع والبيت... لوأد الفتنة التي أرادها المتآمرون على الوطن، ولا يفوتني هنا أن أشير وأشيد بأولئك الجنود المجهولين في جبهة الوطن في الحرب الافتراضية التي شنت عليه، حيث كانوا يزودون عنه ضد الحملات التضليلية من خلال شبكة الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك والتويتر.... فكشفوا زيف الشائعات، وعرضوا الحقائق التي تدحض الأكاذيب بالصوت والصورة. وفاجأني بعضهم كيف أنه يضع سيناريوهات مفترضة وتنبيهاته المشروطة لكل سيناريو، وماذا يجب علينا التصرف حيال كل من هذه السيناريوهات المفترضة.
ولم يتوقف التحليل السياسي لدى المواطن السوري عند حدود الأحداث الأخيرة بل كانت نظرته أعمق وأبعد من البيئة الداخلية، إذ تعداها إلى الأبعاد الإقليمية والدولية، فبحث في طبيعة المواقف وتبدلاتها فأحالها إلى عملية تنازع المصالح وتقاطعاتها، وأشار إلى ضبابية بعض المواقف مبدياً الاستهجان والاستغراب ومساوراً إياه الشك والريبة والحذر.
فلا سلاح كالوعي، فعندما نعي طبيعة العدو ونعرف أدواته. نجد تفسيراً نركن قناعاتنا إليه،ونتمكن من معرفة ما يخطط له وإلى أين تمتد أذرعه ، وهذا ما يتيح لنا الفرصة الكبرى في التعامل مع كل ذلك وبمنتهى الحنكة والحكمة وبشكل ترتد مؤامراته عليه خطورة وتهديداً، وتنعكس علينا نصراً وتأييداً.
فالشعب السوري مشهود له بالأصالة والنبالة ورفعة الأخلاق وعشق المجد وبعد الأفق وعمق الرؤية ،وهذا ما عصمه من الانزلاق في أتون الفتنة وفوت الفرصة على الذين يتحينون الصيد في المياه العكرة للنيل من صموده ومواقفه،فأولئك لم تعد تنطلي حيلهم على أحد، فكيف يتوهم من تسلل هارباً من النوافذ أن تٌفتح له الأبواب،وعليهم انطبق عليهم قول الشاعر:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم