غاليتي وأم أطفالي
ها انا قد أطفئت الآن آخر ضوء في البيت واسمع صوت أبواق السيارات وهي تبتعد والهدوء قد عاد إلى مدخل البناء حيث تفرق أطفال الحي بعد أن سروا بمشاهدة العراضة الشامية والألعاب النارية
آه يا أم انس لو كنت معنا اليوم فهذا المساء كان عرس ابنتك الصغيرة دالية آه كم كانت جميلة في حلتها البيضاء مثل البدر في كبد السماء
لقد سرقوها اليوم من بين أحضاني ونزعوها من قلبي ووجداني ويقولون هذه سنة الحياة .......... ما هذه السنة فإذا اخذوا منك قلم اعتذروا لك وإذا اخذوا منك أغلى ما تملك قالوا هذه سنة الحياة وإرادة السماء
على كل حال اليوم كان لدي شعور جديد فاليوم اشهد لك بأنني قد أديت الأمانة وأوصلت الرسالة ونفذت المهمة تلك المهمة التي لم اخترها يوما ولم أفرط فيها أبدا
ماذا أقول لك يا أم انس وقد زرعت في قلوبنا الأمل ولم تحصديه ماذا أقول لك وقد آثرت الذهاب ولم تكملي المشوار وتركتني وحيدا اعزف أغنيتي الحزينة على أوتاري المقطوعة
اليوم داليا كانت في قمة جمالها تحفة فنية صنعتها يد الخالق وشعرها الأسود المتراقص فوق جبينها كما كنت تحبين أن تسرحينها دوما وبدلتها البيضاء المرصعة بالنجوم والمطرزة بالأزهار وعشرات الأطفال يحملون طرحتها ويقدمونها إلى عريسها ذلك الوغد الذي خطفها مني وطار بها إلى عالمه المجهول لو كان الأمر بيدي لأغلقت عليها ألف باب وباب وحميتها حتى من النسمة التي تداعب شعرها و لكنها تريد أن تجرب حظها وتعيش تجربتها وأنا لا أريد إلا أن أراها سعيدة مبتهجة
أما عن انس الذي تركته ولم يتجاوز العاشرة فقد أصبح اليوم رجلا وليس كباقي الرجال لو لم يكن ابني لحسدتك عليه وهل يحسد المرء نفسه على ما يملك لكنه اختار الطريق الصعب وسافر إلى بلاد الغربة حيث آبار النفط اللعينة وهو يضن علي إلا من رسائله القصيرة واحمدي ربك أنها لم تكن في زمانك فهم يحصون علينا الثواني والكلمات ويبادلون حبنا بالوحدات
آه لقد تذكرت الآن كيف كنت تقبلين انس بعد الحمام ترطبين جسده بالبودرة وتقبليه من كل أنحاء جسمه الطري تقبلين أصابع يديه العشرة كل إصبع عشرة بوسات تضحكي وتقولي عشرة ضرب عشرة مئة بوسة
كان كل شيء طيب لأنس
وكل شيء جميل لأنس
و كم كنت تحتالين علي لتشتري له الثياب الجديدة مع أن خزانته ممتلئة ومن جميع الألوان والأشكال
لقد أتعبتني يا حبيبتي وأنا أحاول انا كون مثلك أن أعطيهم بقدر عطائك انا أعوضهم ولو جزءا من عطفك و حنانك و أن أكون جسرا يعبرون عليه إلى عالمهم الموعود
كم أود الآن أن استعير وسادتك وان استلقي بجانبك
وأغمض عيني وأنا احلم بك دون أن يوقظني احد وأقول لقد انتهى المشوار .................
ولكني نسيت فغدا يجب أن أكون إلى جانب داليا في صباحيتها وهي طلبت مني ذلك
وبعد الغد علي الذهاب إلى وزارة الخارجية لأصدق الأوراق الجامعية لأنس
ويوم الاثنين القادم علي دفع فواتير الكهرباء
ويجب ألا انس معرض الكتاب أول الشهر القادم
وعلى ما يبدو يجب علي ولو وحيدا ان أكمل المشوار .