الساعة الواحدة إلا ربعاً بعد منتصف الليل , قررت الخلود أو بالأحرى الهروب إلى النوم فرارا من شاشة التلفاز التي تسمرت أمامها طيلة اليوم كحال معظمنا هذه الأيام .
لكنني لم أستطع الهروب من أفكار باتت تلاحقني وتلاحق السوريين في اليقظة والمنام .
كوابيس ..... أحلام مزعجة .... ظلال ثقيلة تجثم على صدورنا تشعرنا بالضيق والحنق والرغبة بالانفجار والبكاء كأطفال مشردين يبحثون عن الأمان والطمأنينة .
أغمضت عيني قسرا وأقنعت نفسي أنني نائم ؛ فقفزت إلى مخيلتي صور الأجساد المشوهة لأناس كانوا قبل عدة أيام يتمتعون بنعمة الحياة بيننا , واليوم صاروا شهداء وقرابين لعزة الوطن بعد أن طالتهم يد الغدر والخيانة .
جلست في سريري انتحب وأرتجف وأكيل الشتائم بكلمات لم أكن يوما لأستحضرها في قاموسي لولا فظاعة المشهد , وبقيت على هذه الحال برهة أستحضر في خلدي كل من له يد فيما يجري وجهدت بكل إخلاص أن لا أنسى أحدا .
وبينما أنا كذلك سرقتني يد النوم فعلاً فغفوت وبدأت رحلتي في العالم الآخر .
أنا الآن ضيف على إحدى الشاشات ومقدم البرنامج يوجه لي الأسئلة :
- نرحب بضيفنا العزيز ونتمنى ان تقدم للمشاهدين تعريفا بنفسك .
انا سوري وأرضي عربية أنا شعبي بطل الحرية سمائي وأرضي ومائي أبية
- من هو عدوكم الحقيقي اليوم ؟
العدو الحقيقي !!!
إسرائيل كانت ولازالت هي عدونا الحقيقي والوحيد ولكنها اليوم تلبس عباءة أمراء قطر والسعودية وعمامة القرضاوي والعرعور واللحيدان وغيرهم من رجال الـ ( لا دين ) وجاكيت الحريري , وهي لا تنفك تطلق النصائح متلطية خلف كلمات الناشطين الحقوقيين والسياسيين ودعاة حقوق الإنسان والإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية والفرنسية , وتتسلح بأسلحة المندسين والخونة وشهادات الشهود العميان ووووو ... آخ يا راسي
فجأة أحسست ثقلا يربض على صدري ويدا تحاول كتم صوتي فصرخت بشدة وفتحت عيني مذعورا ...
تناولت كأس الماء التي بجانبي ارتشفت منها رشفة صغيرة والتقطت ما بقي من أنفاسي لقد أصبحت معنوياتي في الحضيض .
أنا الآن في نقطة تجتمع فيها اللاعودة الى الوراء مع التقدم الشائك الى الأمام والتمسك الأبدي بعقيدة هي في الأساس طينتنا التي جبلنا منها , ويجدر بي التقدم ولو زحفا وان امد يدي ولو حاول اعدائي قطعها لأمسك بحبل الوطن لأنه خلاصنا الوحيد مما نحن فيه ....
جريت لاهثا إلى التلفاز أردت الاستماع إلى صوت القائد الغالي ... إلى الأغاني الوطنية ... إلى قصائد نزار قباني وسليمان العيسى وعمر الفرا.... لكي أعيد روحي الى جنانها مسالمة مطمئنة .
وما هي إلا دقائق حتى بدأت أشعة الصباح تتسلل من نافذتي , فأيقنت أن يوما جديدا قد بدأ وانه لابد أن يكون جديداً بكل ما فيه .