و يدلف إلى ذلك المطعم الرخيص , تنظر له الحسناء الشقراء النتنة في وجهه .. و تنثر الشمعة الكئيبة كل الألوان المتأرجحة و الوحيدة آنذاك ...
- هل أنت مستعد يا سيدي لسماع القصة نفسها طوال أسبوعين ؟؟
قالتها و هي تضع لي السمكة الكاملة و صحن الفجل و البقدونس أمامي :
- إن طنا من دم السمك يا سيدتي لأهم لدي من ثلاثمائة سجين ..
".............. تلك الأيام كانت الأمور تنقلب على عقب في دقائق .. في دقائق يصبح الأصدقاء المرحون أعداء , و تنتهي جلسة الشاي دون ختام ..
كان كل من مع القوي يحمل فيلما صغيرا في جيبه لينظر من خلاله بعد أن يبله بلعابه , ثم يتمعن الشخص أمامه خلال الفيلم ليرى فيما لو كان ذلك من فئة الضعفاء أم من الأقوياء..
و مع أن كل فرد من الأقوياء كان يحمل فيلما مماثلا إلا أن كل واحد منهم كان يستخدم راجمات الحجر الآلية قبل أن يخطر في ذهنه وجوب استعمال الفيلم ليروا من الذي كانوا يرجمونه ... بعد قليل يجد نفسه يخرج الفيلم من جيبه و يبله بلعابه بعد أن تكون أنت قد استنفذت قواك بالاستغاثة ..
- يا أيهم !! .. لا تضرب .. هذا أنا .. ألم تعرفني ؟؟؟ اللعنة ....
يتوقف أيهم دون أن يرجم حجرا ثانيا .. يحدق بعينيه كعيني فرس النهر إلى الوراء , و يصيح:
- سيدي .. كنت على وشك أن أقتله .. لا أجرؤ على الاقتراب منه ... يبدو لي أنه ليس مطلوبا ..
اقترب ذلك الأصلع من خلفي , و كان كل شيء يدل أنه ذو مركز مهم في المنطقة ..
أجد نفسي بعد قليل مع عشرات آخرين في صندوق البيك أب , و أتعجب كيف وسعنا .. كانت تسير بنا بتروي , و كل منا مغطى بغلاف نايلون شفاف ...
ألمح أمامي النادل مهتزا مع البيك أب, يتساءل بعينيه : " أين ثمن الشاي الذي هربت دون تسديده ؟ "
أبتهج و أنا أرى تحول نظرته من نظرة ابن آوى جائع و مصاب في ساقه إلى نظرة شاحبة .. غاضبة و مميتة إلى حد ما .. ابتهج رغم أنها موجهة نحوي ..
- سيدي ....هل أنت مستعد لسماع القصة نفسها على مدى أسبوعين ؟؟
رفعت بصري عن الطاولة الخشبية و رأيت عيني النادلة بدل عيني النادل .. كانت تقف, و هي تضع دونما عجلة إناء من الماء , و بيدها الأخرى سكينا بجانبه ..
- إن طنا من دم السمك يا سيدتي لأهم لدي من ثلاثمائة سجين ..