يمر وطننا منذ فترة بمحنة أقل ما توصف بأنها عظيمة, و أقول الوطن لأن ما يحصل هو هجمة منسقة مدبرة على سوريا الوطن و الكيان و إن تخفت آنيا في لبوس أبسط و أقل تعقيدا.
لا خلاف أننا في سوريا وصلنا في بعض المواضيع الى مرحلة الأزمات, و لكننا و كما أظن لا نختلف كمواطنين سوريين في نظرتنا الى وطننا و كياننا كوطن قائم بما فيه من مكونات و اجزاء, الى ان جاءت الاحداث الأخيرة, فقد اعتمدت في صناعة هذه الاحداث أخبث الطرق و أقذرها, و من أرادها استعمل اسلحته كافة, فخلط المطلبي بالتحرري, و الممكن بالمستحيل, و الديني السلفي بالليبرالي العلماني, و خلق هذه القبة الاعلامية لتغطي اصغر التفاصيل و تضخمها مئات المرات و تحولها الى انفجارات يصعب الاقتراب منها و لتأخذ هذه القبة دور الشاحن و المحرض و الصاعق و في بعض الحالات الموجه و المرشد, هو بلا شك عمل جبار احتاج الى الوقت و الجهد و الكثير من المال.
و لنكن منصفين فيجب ان ندرك ان الكثير ممن تحمس و شارك في البداية بأي طريقة وجد نفسه لاحقا في مكان لا يريده في اي حال, مما يعني ان اصحاب النيات الطيبة و بلا شك قد غدر بهم و استخدموا من اجل هدف بعيد كل البعد عما جال في خاطرهم و ما أرادوه.
و في كل ما سبق لا أجد مشكلة في الفهم او صعوبة في التفسير, المشكلة كل المشكلة كما أعتقد, هي عندما تجد من تردد في رأيه و موقفه على كل المستويات, من سمع طرحا هو هدام بكل معنى الكلمة و تردد أيقبله أم يتركه؟,
او في من أخذ يقيس الأمور من مصلحته الآنية الضيقة جدا حتى ان تفكيره لم يعد يتسع لغيره بذاته, او في وسيلة اعلام محلية, باتت بوصلتها حائرة, فلا هي أضاءت حيث يجب ان تضئ و لا هي أفادت حيث يجب ان تفيد,
أو كذاك التاجر الذي اعتقد أن ما يجري هو في مصلحته فالعمارة سترتفع طابقا و عيشني اليوم و موتني بوكرة, أو ذاك المثقف ذو الرأي و الذي أصبح رأيه تائها فهو بين هنا و هناك و ترك اللحظة ليفكر في مكان يحجزه في المستقبل و أكل العيش يحب الخفيّة, و قس على ذلك الكثير من نماذج و لا شك قابلناها في الفترة الماضية,
ما أريد قوله حقيقة و هو ما يؤلمني, أني أقبل كل رأي من صاحبه و لو اختلفت معه, و لي الحق أن يكون لي رأيي و قراءتي, و قد يكون التشارك و التحاور هو أفضل الحلول في أيامنا هذه,
و لكن البغيض البغيض البغيض هو كثرة الخداع و الكذب, فالنظر الى تلك الوجوه الكالحة على الشاشات الكثيرة يصيب المرء بالغثيان, و يجعلك حائرا فلا مكان لك في وطنهم و لا في دينهم و لا في كل ما كنت تعتقد انه لك وطنا او دينا او مجتمعا, فمدعي الحرية و المتشدق بعشقه لها هو عبد وضيع تعلمه الدنيا كلها, و ذلك المحارب الشجاع للفساد ذو الصولات و الجولات هو اصل الفساد و نبعه و هو فاسد حتى النخاع و لا تكفي رحلته الاخيرة في الطائرة لغسل ما فيه من فساد الدنيا.
الخطير الخطير الخطير هو تردد الانسان و شكه في وطنه, و بهذا تسقط الاوطان و تتفتت و تبدأ بالانهيار, و يصبح كل واحد فينا او مجموعة نفكر في وطن خاص بها و تحلم به, و يصبح الوطن الحقيقي عبئا يجب التخلص منه و الانعتاق من واشجباته و قواعده.
فلنثق جميعا بوطننا و لنجعله أولا قبل كل شيء, و لنكن صادقين في موقفنا و طرحنا و لنتقبل أنفسنا و مجتمعنا و وطننا بكل خيراته و عيوبه و نواقصه, و لتكن هذه المحنة منطلقا لقيامة هذا الوطن و لنكن يدا واحدة, فليس لنا الا هذا الوطن و لا نملك أن نضيعه.