ان كان التقاعد في دول العالم المتقدم هو حلم لكل موظف او عامل ليبدأ حياته من جديد ، حياة دون هموم مليئه بالهويات من سفر أو رياضه ....
و بأختصار ليعمل كل ما كان يحلم به و كان عمله يمنعه أو يحد منها ..
أما المتقاعد عندنا يعيش كابوس من الملل و انعدام القيمه و كثيراً ما تكون سبب في نهاية حياته بعد أن يصاب بالعشرات من الامراض النفسيه و العضويه ذات المنشأ النفسي ...
فبعد أن كان إستاذاً أو موظفا ً أو ضابطاً الان اصبح قليل القيمه لدرجة ان الجميع يشكو من جلوسه بالبيت و تدخلاته التي لا معنى لها ...
فزوجته تشكو من تداخلاته بالمطبخ و اولاده يشكون من توجيهاته التي زادت و احفاده يعتبرنه متحكم بحياتهم و مع كل صرخة تأفف منهم يتحرك شعور الحزن لديه ليعلق السبب على تقاعده ، فان مرَّ بجانبه انسان و لم يتلقى التحية تبدأ الصور و تعود الذاكره لأيام زمان عندما يبح صوته من رد السلامات المتتاليه رشا ً على أذنيه .
مع هذه الصوره المأسويه لحال اكثر المتقاعدين لدينا ، تنتعش عمل المقاهي و التي كانت ملقى المثقفين و للتحول مع وضعنا الحالي لمكان للعاطلين عن العمل و محبي الصراخ الرياضي و الأن انضم لهم هذا الانسان المتقاعد من عمله .
كل هذه الصور السوداء حصلت عليها اليوم بالذات بعد ان قررت ان اهرب من حرّ المنزل لمكان استطيع به قراءة جريدتي ، و لأدخل مقهى صغير في اسفل بيتنا و اشاهد عشرات الموتى ، ولكنم يتنفسون ، لم يتعدوا الستين إلا قليلا ً ولكن الهم و الغم و الملل اخذ منهم الكثير كان المقهى يعج بالرواد ولكن ان دخلته مغمض العينين تشعر انه فارغ ولا يكسر صمته سوى ضربة نرد او رنه ملعقه تحرك السكر او رشفه قويه لفنجان قهوه ....
اما الكلام فمحرم في هذا المكان و الصوره ابلغ كلاما ً من اللسان .
جلست افكر بوضعهم و بوضعي بعد سنوات ماذا سأفعل عندها ...
فان حاولت ان اقلد الاوروبين ، أجوب العالم سفرا ً أو مساهما ً فعالا ً في الجمعيات الخيرية فسأصحوا على حقيقة ان راتبي على مدار كل تلك السنوات كان (( ما – عاش )) اي انه لا يعيش لأكثر من شهر في أحسن الاحول و تقاعدي هو ضمانتي الوحيده ان لا امد يد الحاجه و انا بهذا السن.
فبدأ أفكر بامر اخر ...
فقررت ان ابحث عن عمل ٍ جديد يناسب سني ولكن اي بديل ٍ هذا و انا ارى طوابير العاطلين عن العمل و الباحثين عن لقمة العيش دون جدوى و هم في سن الشباب و القادرين على العمل أكثر مني بكثير
و اتعمق بالتفكير اكثر و اكثر و اقلب البدائل و الاحتمالات ولكن بالنهاية اكتشف اني سأنضم لهم بعد سنوات و الحل الوحيد ان أعَود نفسي على سماع الأخبار من الان و اتعلم لعب الطاوله و انتظر ملاك الموت ليأخذ امانته فالمتقاعد بعد هذا السن في مجتمعنا هو ميت ولكن في داخله روحٌ
تقاوم الحقيقه و تعارض القدر .
قد نجد من يتهمني بالسوداويه واليأس ... كم اتمنى ان تكون هذه هي الحقيقه
ولكن هل كل هؤلاء المتقاعدين هم سوداوين اما هذه هي الحقيقه التي سنصل لها جميعا بعد سنوات .
و أليس طلبات التمديد التي تعج بها الوزارات كل عام من المتقاعدين الجدد دليلا على هذا اليأس و الخوف من الموت الإجتماعي في ظل مجتمع يحترم الكرسي و اللقب و المنصب
اتمنى ان اكون سوداويا و انتم اصحاب النظره الصائبه .