"الأهمية الدينية والتاريخية والحضارية"
يستمد "المغطس" أهميته الدينية والتاريخية كونه المكان الذي عمد فيه سيدنا المسيح....
بعد ولادة السيد المسيح ،ومع بداية ظهور الديانة المسيحية، كان النبي "يحيى" أو "يوحنا المعمدان" يمهد الطريق لقدوم سيدنا عيسى "عليه الصلاة والسلام"، من منطقة ليست بالبعيدة عن مدينة القدس ،وهي منطقة تقع على الضفاف الشرقية من نهر الاردن، تسمى منطقة "بيت هاني" او "بيت عمير"، شرقي نهر الاردن، وتشمل هذه المنطقة احد الوديان الصغيرة المسمى "وادي الخرار" .
واكدت التنقيبات الاثرية ان "يوحنا المعمدان" كان مقيما في هذه المنطقة ، وتؤكد أية بالانجيل كما ورد على السنة الرهبان والاقابطة المسيحين ان السيد المسيح قد توجه الى هذا المكان ماضيا عبر الاردن الى المكان الذي كان "يوحنا "يعمد فيه ومكث هناك ... فهذا المكان التي يتقرب به الحاج الى الله في بحثه عن الحقيقة وعن طريق الخلاص، وهي رحلة التائبين عبر طريق الحج المسيحي والذي يبدأ من، "حسبان" الى "اسبوسا" مارا "بجبل نيبو" ومرورا "بالمغطس" ومن ثم الى "اريحا ""فالقدس"" فالجليل"، ويعود المرء بعد رحلة التعميد نقيا صافيا كالتلج، وتؤكد روايات الرحالة و الكتاب المقدس ان تعميد سيدنا عيسى لم يكن في نهر الاردن بل في الشرق من نهر الاردن ،واما نهر الاردن نفسه كان لتعميد عامة الشعب علما ان هذه توقعات لعدم ورود اسم المكان الذي عمد فيه سيدنا المسيح اين يبعد عن نهر الاردن.
وكان المغطس منذ عام (1967) منطقة عسكرية مغلقة لا يسمح بدخولها بسبب الالغام المزروعة باحشاء تربتها، ولانها منطقة محاذية ،الى حين توقيع اتفاقية السلام" وادي عربة" مع اسرائيل وبعد عام(1995) بدأت رحلة البحث والتنقيب عن موقع المغطس، لدلالاته الدينية والتاريخية والسياسية،وقام الامير "غازي بن محمد" رئيس مجلس امناء هيئة المغطس، برحلة الى الموقع وكان يصاحبه الأب "بشاريللو" وهو حارس الأراضي المقدسة، ومن بعدها امر فريق من علماء الاثار الاردنين المتخصصين بالبدء بعملية التنقيب .
وكان يعتمد البحث والتنقيب على عدة اسس وركائز من بينها:
الاعتماد على ما ورد في الكتاب المقدس من الانجيل بعهديه القديم والحديث في وصف رحلة النبي "يوشع بن نون"،وثانيا الاستناد على خارطة الفسيفساء المرسومة على ارضية كنيسة"الروم الاردثوكس"في مادبا التي يعود تاريخ بنائها للقرن السادس الميلادي ،وتبين هذه الخارطة موقع المغطس والتي كتب عليها عبارة باليونانية" بيت عبارا "اي" بيت العبور "وذلك لعبور الانبياء في موقع المغطس ،واقوال الرحالة والمعتكفين من الرهبان في هذه المنطقة،والمكتشفات الاثرية التي اثبتت بشكل علمي ملموس ان هذا موقع تعميد المسيح، والكنائس الخمس التي بنيت من الفترة ما بين القرن الخامس الميلادي والثاني عشر الميلادي ،بمكان لا يوجد فيه قرية او مدينة او اي من التجمعات البشرية، ووجود حوض التعميد المصلب الشكل والفريد من نوعه.
وكانت لزيارة البابا"بندكتس السادس عشر" لهذا الموقع أهمية كبيرة واعتراف رسمي من الكنيسة الكاثوليكية بأهمية هذا الموقع وقدسيته لدى الحجاج المسيحيين، ولعل زيارة البابا السابق "يوحنا بولس الثاني" الى المغطس عام (2002 )حاجا لاول مرة قد حسم ايضا موقع المغطس،فأصبح الحجاج يأتون للحج من كل فج عميق من مختلف الرعايا والكنائس والجنسيات، فإلى هذا المكان اتو ،وشربوا من مياهه ،وتباركوا بلمسها ،وتجولت ابصارهم في هذا المكان المقدس ،تخطفهم روعة وصفاء المكان، وطبيعته الخلابة، ويغادرون وأرواحهم مشدودة خلفهم ويأخذون معهم الذكريات المغروسة في ذاكرتهم ذاكرين قول المسيح" لم يكن بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" ,واصبح حجا مباركا وتقليدا سنويا ومنبرا للاحتفالات الدينية للمسحيين وخصوصا في احتفالات عيد الغطاس التي يقام في كانون الثاني من كل عام.
وشهدت هذه المنطقة التاريخية على التأخي الاسلامي المسيحي بين اهلها عندما وصلها الاسلام، ففي الفترة الاسلامية والاموية والأيوبية والمملوكية، بنيت 3 كنائس لتبقى شاهدا على هذا التأخي والتسامح بين الديانات السماوية في هذه المنطقة الى يومنا هذا ،ولتفعيل هذه الروابط قامت ادارة المغطس على بناء مقاما اسمته بمقام "النبي عيسى" ليرمز الى التعايش وتجسيد الحوار الديني بين المسلمين والمسيحيين .
ومن الناحية الاقتصادية والسياسية والسياحية ،بقيت هذه المنطقة قبلة الحجاج والسياح من مختلف أنحاء العالم ولم تتأثر بشكل ملحوظ بالوضع الاقتصادي والسياسي التي يعصف بالمنطقة لأهميتها عند الزوار،وللدور الفعال التي قامت به هيئة تنشيط السياحة ببقاء الحركة السياحية نشطة ومتزايدة باستمرار.
وفي حوار مع م.ضياء المدني مدير موقع هيئة المغطس حدئنا عن كيفية حماية الموقع اثريا وبيئيا وقيام الهيئة بأقصى جهودها لتنمية الغطاء النباتي وتنشيط الحياة البرية في المنطقة، والاشراف على اعمال الترميم والعمل على تطوير وتحسين البنية التحتية والخدماتية والارشادية، لتكون على افضل وجه امام السياح والحجاج ،واكد ان هناك ازدياد متسارع في عدد الزوار الى منطقة المغطس وخصوصا في شهر نيسان وايلول وتشرين الاول للطافة الجو واعتداله وفي شهر كانون الثاني للاحتفال بعيد الغطاس.
ويضم المكان شواهد ومباني قديمة تدل على عراقة الاصالة التاريخية للمكان ,ويحتوي موقع المغطس على مركز للزوار وبقالة ومطعم ومركز للمسنين ،وقاعة عرض ومهبط للطائرات العامودية وممرات للمشاة على امتداد الموقع وبركتين للتعميد،ومن النباتات التي يتمتع الناظر برؤيتها اثناء طريقه الى المغطس وتستلهم خياله وتأخده بسحر المنظر خضرة نبات الينبوت والعجوت التي تعد مأوى لنحل العسل.
وأكد نائب مدير هيئة المغطس م.رستم مكجيان وهو خبير في الاثار الدينية، ان مساحة الارض التي يقع عليها المغطس تضم عشرة الاف دونم ومنها ألف دونم تعود ملكيتها للكنيسة الارثودكسية .
كما وقال" ان منطقة المغطس تعد البقعة الاكثر انخفاضا بالعالم والاكثر قربا للرب".
وأخذ م. مكجيان يشرح لنا عن رحلة الخلاص من الذنوب والصعود الى السماء وقال ان اسم المغطس جاء تحت اسم "عنيون "و" صفصاف" مشيرا الى الرموز التي وردت على خارطة "الفسيفساء" وانه في صورة النهر يوجد سمكتان متقابلتان تماما عند موقع المغطس ،وفسر ذلك بأن السمك لا يعيش في البحر الميت، لذا فانه يعود باتجاه الشمال من نهر الاردن، موضحا الى اهمية معرفة ان السمك يرمز الى السيد المسيح عليه السلام ،ورمز للعماد متطرقا الى صورة الاسد والغزال ،فقال ان الاسد يلاحق الغزال فلا يرمز ذلك فقط لحياة البرية و"يوحنا المعمدان" بل فسرها بالقوي التي يلاحق الضعيف أو" هيرودس" يلاحق "يوحنا المعمدان".
في خطى راسخة وايمان عميق، قطعوا الصحاري تحت لهيب الشمس ومشقة الطرق.. عازمين السيرفي خطا نحو الطهارة والقداسة، طالبين شفاء النفس من كل دنس ملتجئين الى مخلصهم الذي طالما انتظروه... جاء من البرية لينشر السلام على الأرض.. ليضيء بنوره ومحبته على العالم.. فهو بمجيئه ابشر بانتهاء الظلام ومع معموديته في نهر الأردن ليمحوا من المسيحيين الذين تعمدوا من بعده خطيئة آدم وحوا ابوينا الأولين... فصوت المسيح يهمس في مسمع كل من امن به واتبعه... فهو جاء ليرشد طريق الضالين الى الخلاص ويهدي ذو النفوس المتعبة...