كلمتان مألوفتان وتبدوان متشابهتان لكن فيما يتعلق بالإنسان فهما متباعدتان جداً في المعنى والتفسير.
لقد خلق الله الإنسان ومنحه العقل ليفرق به بين الخير والشر وبين الحق والباطل ومنحه القوة ليعيش في هذه الحياة محققاً ذاته خلال فترة حياته.
فعندما نتكلم عن حقوق الإنسان في هذه الحياة فإننا نعني الحقوق الواجب أن يمتلكها لتضمن له العيش والاستمرار فيها وهي حقوق جوهرية لا مساومة عليها ويجب ضمانها من قبل الدولة ليتمكن هذا الإنسان من المحافظة على حياته التي وهبها الله له.
يمكن إجمال هذه الحقوق بــ :الصحة,التعليم,العيش المادي المريح ,السكن الملائم,...الخ وهذه الحقوق هي متطلبات للإنسان حتى يستطيع البقاء على قيد الحياة والاستمرار بالعيش وإعالة أسرته والحفاظ عليها ضمن الحدود التي تضمن له الكرامة والاستقرار.
أما عندما نتكلم عن الاستحقاق فإننا نعني مجموعة المتطلبات التي يستحقها الإنسان للتواصل والتعايش مع الآخرين,أي مجموعة السلوكيات التي يمارسها هذا الإنسان خلال حياته.ويمكن إجمال هذه المتطلبات بـ :الحرية,الديمقراطية,العدالة ,...الخ
ولعل استحقاق الحرية بجميع أشكالها (الرأي,التنقل,اختيار نمط الحياة,العقيدة,...الخ) هي من أهم الاستحقاقات لأنها تعكس مدى مقدرة الفرد على حمل مسؤولية هذا الاستحقاق والتصرف من خلاله بالتعامل مع الآخرين بما لا يسبب أية إساءة أو ضرر لهم.
إذاً فهذا الاستحقاق يتعلق بسلوك الفرد ويعبر عن مدى وعيه وإدراكه ولذلك يجب وضع الضوابط والمعايير لنتائج ممارسة هذا الاستحقاق حتى لا يسمح الفرد لنفسه بالتعدي على استحقاقات الآخرين بامتلاكه لاستحقاق الحرية الخاص به ( بما معناه حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين).
إن استحقاق الحرية بما يتضمنه من متطلبات هو حق للإنسان عندما يكون جديراً بامتلاكه وجديراً بالتصرف من خلاله مع الآخرين.
إن وجود الضوابط (وهي مجموعة القوانين القضائية المختلفة الرادعة) لاستحقاق الحرية ضروري جداً ولا بديل عنه لاستمرارية التعايش بين الأفراد ,فمن حق هذه الضوابط أن تمنع هذا الاستحقاق في أي وقت كان عن أي فرد عندما تجد بأن هذا الفرد قد أساء استخدام استحقاق الحرية الذي منح له وذلك من خلال التعدي على الآخرين والضرر بهم وبالمصلحة العامة.
يجب الإشارة إلى أمر غاية في الأهمية وهو بأنه يقع على عاتق الدولة بجميع مؤسساتها المختلفة (الاجتماعية,الأسرية,النقابية,...الخ) العمل على تأهيل أفراد المجتمع بحيث يصبحون جديرين بحمل استحقاق الحرية.
يمكن تلخيص ما سبق بـ:"العيش بكرامة ورغد هو حق لكل فرد وهو فرض على الدولة يجب توفيره حتى يستمر هذا الفرد بالحياة التي وهبها الله له.أما الحرية بأنواعها فهي استحقاق لكل فرد وهي سنّة على الدولة يجب منحها لكل فرد جدير بها ويتحلى بالوعي والأخلاق الملائمة لممارسة هذه السنّة"
لنضع جانباً ما يتعرض له وطننا الحبيب سوريا من مؤامرة خسيسة غايتها النيل من وحدته وأمنه ,ولنتناول مجموعة المراسيم والقرارات التي صدرت والتي تخص المواطن بشكل أساسي .يمكن تقسيم هذه المراسيم والقرارات إلى ثلاثة أجزاء:الجزء الأول هو حق للمواطنين ويتعلق بتحسين الواقع المعيشي لهم والجزء الثاني هو استحقاق ويتعلق بحرية التظاهر السلمي للتعبير عن المطالب والرأي أما الجزء الأخير فهو مجموعة الضوابط التي من خلالها سيتم مراقبة مدى ممارسة استحقاق الحرية ,من هذه الضوابط إلغاء حالة الطوارئ ومحكمة أمن الدولة والاستعاضة عنها بمجموع القوانين القضائية التي تعالج مسائل الخلل بالنظام والإجرام والتعدي على الحريات ...الخ.
أخيراً يمكن القول بأنه لزاماً علينا نحن المواطنين التحلي بالوعي الكامل وامتلاك الرؤية الواضحة للمطالبة بحقوقنا المشروعة والتي أهمها العيش الكريم ولكن يجب علينا أن لاننسى بأن استحقاق الحرية الذي منحتنا إياه الدولة هو مسؤولية كبيرة وجب علينا حملها بأمانة والتصرف من خلالها بما لا يسيء إلى الآخرين أو يؤدي إلى ضرر في الممتلكات العامة والخاصة,لأنه بذلك يجب أن نقبل بالضوابط الرادعة والتي تحاكي الاستغلال السيئ لهذا الاستحقاق الرائع.