اعتدنا عندما كنا أطفالاً على تهويل الأمور لنا عندما يريد الأهل منعنا عن القيام بأي أمر يرونه غير مناسب وفي نظرنا كانت معظم هذه الأمور التي رغبنا بها طبيعية في حساباتنا المتواضعة كأطفال وبالتأكيد هي طبيعية الحدوث في مسار نمو الطفل وتطور وظائفه العقلية والجسدية إلا أنه لا يمكن القول بأن أفعال الأطفال كلها واجبة الاستمرار حيث أن بعضها شاذ ولا بد من إيقافه.
إلا أن التهويل الذي كان يرافق محاولة منع أي منا عن القيام بأمر ما كان جديراً بأن ينسينا إياه مدى الحياة, فالطريقة التي كنا نتعرض بها للترهيب كانت تدل على أن هذا الأمر أو ذاك مخيف وخطير جداً مما أدى بي شخصياً إلى تخيلات عن حيوان خرافي لا يموت ولا يقهر, ينفث النار وسيطاردني إلى الأبد!!! ولربما كنت فعلاً أصدق بأنه موجود ولكن مع الأيام ومع تقدمي بالسن اكتشفت أنه غير موجود... لأنني لم أرى أي شيء يدل على وجوده ولا أظن أغلب الناس رأوا شيئاً مماثلاً إلا في الأفلام ... ومع هذا لا زال بعض من آثار هذا الخوف موجوداً في صدري حتى الآن.. ربما لأن من زرع في صدري الرهبة والخوف كان يرغب بدوام هذا الأثر لأطول فترة ممكنة, حتى لا يضطر إلى مراقبتي دائماً.
لا شك أن المنع عن الكبائر خطوة ضرورية ولكن الخطأ هو التهويل والتخويف عوضاً عن التبيين والتعليم .. وسأحاول بيان مرمى كلامي بالمثال الخيالي التالي:
فلنتخيل أنني أب لديه ابن بعمر العشر سنوات أحبه وأحرص عليه شديد الحرص, ولنتخيل في هذا المثال أن القدر قد اختار ابني ليواجه كائناً خرافياً كالذي في الأفلام ولنسمي هذا الكائن "القنطور" (كائن خرافيّ نصفُه رجل ونصفُه حصان) وأن القدر شاء بألا يسمح لي بمساعدته لأن على ابني مواجهته لوحده في نزال في مكان عام, وليس لي أثناء النزال إلا أن أتفرج عليه, والسؤال هنا؟ ما هو أفضل ما أستطيع أن أقدمه لابني في هذا الموقف من أجل أن أضمن له السلامة والنصر؟ أليس من أفضل ما يمكن للأب فعله هو تزويد ابنه بالمعرفة عن طريق تعليمه (ما استطاع إلى ذلك سبيلاً) أي تعليم ابنه عن نقاط ضعف هذا الحيوان وكيف يستغلها مثلاً وعن طبيعة أرض المعركة وأساليب حمل السيف والفأس وكل ما له علاقة بالأسباب التي إن اتخذها ستساعده في النصر والنجاة؟ أليس من أفضل ما يمكن للأب تقديمه أيضاً هو التدريب الجسدي على القوة والتحمل ليجعل الابن قادراً على الغلبة الجسدية كما العقلية, أوليس من أفضل ما يقدمه الأب لابنه هو شحنه بالقيم التي تعلمه أن هذه المعركة ستجعل منه بطلاً حتى ولو خسرها مع "القنطور" لمجرد أنه لم يهرب من هذا النزال؟؟
خلاصة الكلام أليس أفضل للرجل وابنه قتال القنطور والانتصار عليه بعد تدريب الابن وتعليمه وتأديبه بدلاً من إخافته وإبعاده عن قدر لا مهرب منه, فإن انتصر الابن كسب الأب ابناً لا يهاب شيئاً بعد اليوم أما إن هرب فقد يبقى الخوف ملاحقاً إياه إلى الأبد بعد هذا التحدي العلني الذي هرب منه.
العبرة من هذا المثال هي أنه لا حاجة لي كأب (أو مربّي) لتخويف ابني من شيء إن كان من الممكن إعداده لمواجهته وبذلك يكسب نفسه وأكسب أنا بالتالي شخصاً قوياً في صفي, ولكن البشر وكما يصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة الأنبياء (خلق الإنسان من عجل) يستعجلون فلا يعطون الأمور الدقيقة وقتاً كافياً لذا نرتكب أخطاء تربوية ولكم الرأي إخوتي وأخواتي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.