استهدى خطوات طريقه بروية , تلمس نور ظلمته , فتش جيوب ذاكرته , لم يصعب عليه إيجاد مفتاح حجرته اليتم , نفث برودة جسده , تصاعد تعب روحه بنفحات متصاعدة هاربة من سجن شفاه تلونت بلون السماء تلقائية لا عشقاً ,
أسرعت اليد الأولى لوطنها الفقير , واستسلمت الأخرى للهجرة لتدير المفتاح بالباب الشيخ ,
دخل عجولاً , متردداً , كطفلاً ضائعا ً وجد أمه فرحا , وتذكر عقابه خوفاً , ظلام كظلام روحه , أبتسم ,سخر من نفسه ودخل , لحظات ....وأنذرته معدته الصغيرة , صرخت مطالبة بقوتها القليل المعتاد , فركها مواسياً ,مبصرا إياها .
طأطأ رأسه بخيبة , وثم رفعه نحو النافذة الهرمة نظر لها بعيني مسافر . غادرت روحه جسده عبرت ممرات الذاكرة المظلمة ,نبشت القبور النائمة .
أمسكت غنائمها بجوع ألقت بالهياكل البشرية هنا وهناك ,افترست قاتليها , الأموات منهم والأحياء , قبلت بشفاهها جباه المحبين انحنت بخجل أمام الرفاق المناضلين واعتذرت لفقر الحيلة والتدبير , اتكأت روحه بتعب وملل على جدار أحلامه العتيق , شعر بحسرة الطفل الرضيع الفاقد رائحة شعر أمه الغزير.
غضبت روحه وثارت , قتلت من قتلت بين صفوف أشباح أعداءه , مرتخياً فوق ركام الأموات المقتلين, عندما دوى رنين ضحكتها ألتفت روحه بحنين , ركضت لحيث ينبت الصوت ,
مدت يدها لها , أمسكها برفق ,قبلها بحب كما يقبل المهاجر تراب وطنه بعد غياب سنين .
همس لها : اشتقت لك .
لمعت تاك العنين كجوهرة صقلت .
ابتسمت شفاهه التي كاد جمود الأفراح وندرتها أن ييبسها .
سألته : ما حالك ؟
أجابها بحزن : أني ضائع ...جائع للحياة .....يتيم.
أنت يا منقذتي ولعنتي ...لما تركتني ... محتاج لك أنا ... أريدك ....أريدك حية .
قال لها : أني ها هنا أوجد في عقلك ...أحيا بقلبك ... أبصر النور بذاكرتك
قال لها : ماذا أفعل دونك .
ردت بتحدي : أحيا ...هاتي يدك ... ترفع عن أكوامك هذه .. أرميها ...ألقيها .. ,أنها تنتقم منك للمرة الثانية بهدر حياتك حقداً عليها .
عد للحياة... بك أنت أنني أحيا , أن لم تعش أمتني ....
أطرق رأسه مفكر ...تنفس بحرية ...لحظات ونهض عن أكوامه , نفض غبار ثأره عن ثيابه .
قال لها باستنفاذ :وأنا هربت من أشباح ظلامي ,لن تتحرر حياتي من قسوة حاضري .
أستدرك ببراءة : أنظري لكفي , ترين هذه الخطوط أنها قدري ,تلك هي دروبي بالحياة متعاقدة متصالبة لا منفذ لحلها
ردت عليه بحب: أسأت قراءتها , أنظر لها هي دروبك تجتمع بعقدة وتنثر منها منافذ أربع أسلكها جميعها أو أختر منها لتصل لنجاتك .
عاد الرجل ليقظته كسكير فاق من دواره ,مد يده ,نظر بعمق لخطوط كفه ,أبتسم بخجل ,رأى روحها تراقبه مبتسمة
همس لها :أشكرك يا لعنتي الحلوة