ساقني القدر في يوم ما أن يكون لي معاملة في أحد الدوائر الحكومية في مدينتي الحبيبة , لم أعش هذه المغامرة يوما ولكن بالطبع سمعت الكثير عن مدى نشوة المرء في خوضها والتأكيد على خوضها ثانيا وثالثا ودون انقطاع ( مرغما وليس طوعيا (
تبدأ المغامرة معك منذ دخولك إلى باب الدائرة بأصوات الضجيج والأحاديث بأعلى الأصوات ما أمكن مع الروائح التي يصعب على العقل تمييزها لكثرة عناصرها ورائحة الدخان المنبعثة من سجائر من وقف تحت عبارة ممنوع التدخين ليضفي على الجو عبق الدخان الرمادي .
ثم تتجه إلى الاستعلامات لتسأل عن مكان معاملتك في أي مكتب وطابق وبنظرة يملؤها العطف والحنان مع الانتظار حتى ينتهي من مكالمته الخاصة والمهمة على جواله يدلك الموظف على مكان معاملتك في أي طابق تاركا لك الاستمتاع بمتعة السؤال في مكاتب الطابق كلها حتى تجد المكتب , ولكن المفاجأة عندما تكون في الطابق السابع ولا يوجد سوى مصعدين لا يتسع احدهما لأكثر من 5 أشخاص وعدد المنتظرين ولنقل 40 عندها تتهيج نفسك الفتية وتقول ( الدرج أسرع وبعدين إنا لساتني شب ) .
تصل الى الطابق السابع والعرق يكاد يغرقك وتبدأ رحلتك بالبحث عن المكتب المراد حتى تصل إليه , تدخل فتسلم طبعا لا تجد من يرد السلام والسبب عدم وجود احد في المكتب , تسال احد الموظفين أين الموظف المسؤول هنا , طبعا هنا تجد جميع أنواع الردود التي تخطر على بالك والتي لا تخطر أيضا واليك بعضا منها ( ما بعرف , شو شايفني سكرتيرو , بيكون بالحمام , ماشفتو اليوم , .....الخ ) ولكن أجملها على الإطلاق ( روح دور عليه بالطابق التاني بيكون بشي مكتب
(المهم بعد أن تبدأ رحلة البحث عنه تجده يحتسي المتة مع احد أصدقاءه , تسلم عليه وتقول له إن لديك معاملة عنده , هنا وفي هذه اللحظة بالذات يتحول الحمل الوديع الى وحش فظيع فيبدأ بدراك من الكلام حينا يتبعه وابل نصفه غير مفهوم أو مقروء باللغة العربية ولكن فهمت مغزاه انو من قلة الذوق أن اطلب منه شيئا وأنا أراه يحتسي مشروب الطاقة الخاص به , فالتزم الصمت وانتظر ( والله اعلم إلى متى (
بعد مدة ليست بقصيرة باتي ويضع ختمه الكريم ويحولني إلى موظف أخر في طابق أخر , طبعا هذا يعني مغامرة جديدة .
ويستمر يومي على هذا المنوال مغامرة يتلوها الأخرى حتى تصبح الساعة 3 وتغلق الدوائر أبوابها مودعة مغامرة انقضت وتستعد لجديدة غدا ,
ختاما أقول عذرا سيدي الموظف .